أجبرت الحرب الدائرة كثيرًا من الليبيين على هجرة وطنهم أملاً بالحصول على الأمان في دول الجوار، إذ كانت مصر وتونس أول البدائل التي تخطر على بال كل ليبي فرَّ من المعارك الدائرة في بنغازي وغيرها من المناطق التي أصبح دوي الرصاص فيها أعلى من صوت العقل.
«قف هناك» كانت أول كلمة سمعها علي ذو الخمسين عامًا من ضابط الجوازات المصري، ليتم التحقق من حصوله على الموافقة الأمنية لدخول الأراضي المصرية.
يقول علي لـ«بوابة الوسط»: «لا ألوم السلطات المصرية على تصرفها هذا، فهي دولة ومن حقها التدقيق فيمَن يدخل أراضيها خاصة إذا كان قادمًا من دولة تفتقر لأبسط الأمور الأمنية».
حال علي ينطبق على كل ليبي يرغب دخول الأراضي المصرية، بعد أنْ اشتدت حال الحرب في بلادهم ويستثنى من ذلك زوج وابن المصرية المتزوجة من ليبي.
المصاريف جعلتني اختار مصر
يقول إبراهيم من بنغازي، يسكن حاليًّا في الإسكندرية: «يقع مسكني في منطقة اشتباكات ولم أجد بديلاً مناسبًا، فقررت السفر وكانت مصر أنسب خيار لي من حيث المصاريف، وفرق العملة»، وأضاف: «خيارات السكن في المدن القريبة من بنغازي شحيحة، وفي مصر توجد خيارات أكثر».
وأضاف: «ليس كل مَن ترك ليبيا لمشاكل سكنية، فقد اختار البعض الابتعاد بعائلته عن أجواء الحرب، واختار أنْ يجد لأطفاله مكانًا للدراسة في مصر، وهو أملٌ بُثَّ من خلال السفارة الليبية التي قالت إنَّها ستتكفل بجزء من أقساط المدرسة الليبية، قبل أنْ تقفلها السلطات المصرية لأسباب إدارية، ولم تتكفل السفارة بأقساط المدرسة البديلة، فاختار ميسورو الحال مدارس أخرى لأولادهم، بينما توقف أغلبهم عن الدراسة».
الجريح يدخل دون تأشيرة
في زيارة لأحد مستشفيات مصر التي يرقد به أحد أفراد الجيش الليبي، الذي أُصيب أثناء محاربة الإرهاب في بنغازي، يقول عمر إنَّه تم إسعافه بريًّا عبر منفذ السلوم الذي تسمح من خلاله السلطات المصرية بمرور جرحى الجيش دون تأشيرة، وإنَّه يتلقى العلاج وسيعود قريبًا.
خلال زيارته وجدنا عنده والدة أحد رفاقه الذي طالته أيادي الغدر واُغتِيل في رمضان الماضي، قالت لرفيق ابنها الشهيد: «نصر الله قريب»، وعند سؤالها عن حياتها في مصر قالت: «غادرت بلادي طواعية، إلا أنَّ قلبي يعتصر ألمًا ولم أعد أقوى على العودة إلى هناك، وابني ليس هناك». ربما تجد في الانتصار القريب للجيش رد اعتبار لابنها.
البعض نقل عمله إلى مصر
ومن خلال حديث مع العديد وجدنا أنَّ البعض نقل عمله إلى مصر، ومنهم مَن بحث عن عمل هنا، ومنهم مَن ينتظر أنْ تُودع الدولة مرتبه الضماني في الحساب، ليحوله إلى مصر ويتحسر على سعر الدينار المتأرجح.
كل مَن قابلت ينوي العودة اليوم قبل الغد، يحاولون دائمًا تحكيم العقل لا القلب، إلا أنَّ هناك فئة علقت في مصر بحكم القانون، حيث ترفض السلطات المصرية السماح للمصريين بالسفر إلى ليبيا، ومنهم أيضًا المصريات زوجات وأمهات الليبيين، واللواتي رفض أبناؤهن وأزواجهن السفر إلى ليبيا دونهن.
لن أعود دون أمي
يقول محمد: «كيف لي أنْ أعود وأترك أمي ورائي، لقد تمَّ إرجاعها من المطار». وأضاف: «حقيقة لا ألوم الدولة المصرية، من حقها أنْ تخاف على مواطنيها».
الكل هنا يتطلع إلى اليوم الذي يعود فيه إلى الوطن، والجميع يرفض أنْ يطلق على وضعه الحالي هجرة، إنما يصرون أنَّه تهجير وأنَّهم عائدون في القريب العاجل.
وكانت أجهزة الأمن المصرية أغلقت صباح 22 يناير المنقضي، منفذ السلوم أمام حركة سفر المصريين والشاحنات المصرية، المتجهة إلى ليبيا لأجل غير مسمى، بالتنسيق مع السلطات الليبية بمنفذ مساعد الليبي.
وأصدرت السلطات المصرية في وقت سابق العام الماضي قرارًا يقضي بمنع سفر المصريين إلى ليبيا إلا بعد الحصول على موافقة من جهاز «الأمن الوطني».
بوابة الوسط