قال تقرير فرنسي سري إن فرنسا عرّضت جنودها عمدا لإشعاعات التجارب النووية في الجزائر لمعرفة آثارها على الإنسان، لكن مسؤولا فرنسيا هوّن من وثيقة لم تحمل جديدا حسبه، في وقت تتابع فيه باريس محاولات نواب جزائريين استصدار قانون يجرم الاستعمار الفرنسي.
وحسب التقرير -الذي حصلت عليه وكالة الأنباء الفرنسية من مسؤولين عسكريين لم تسمهم ويعود إلى 1998- فقد أرسلت فرنسا جنودا إلى مواقع تجرى فيها التجارب في صحراء الجزائر بين 1960 و1966 لدراسة "الآثار الجسدية والنفسية للسلاح الذري على الإنسان".
وتقدمت في تجربة أجريت في 1961 قوة راجلة وعلى متن الشاحنات إلى بضعة مئات الأمتار من مركز التفجير، بعد أقل من ساعة من حدوثه.
وقال التقرير إن الجنود منحوا 45 دقيقة لحفر مواضع قتالية في الأرض الصحراوية الملوثة بالإشعاع، ولم يكن لديهم ما يحميهم إلا النعال العسكرية والقبعات والقفازات وأقنعة الوجه البسيطة.
تحضيرا للمقاتل
وأضاف التقرير أن الجيش قال حينها "يبدو من النتائج أن المقاتل قادر جسديا على الاستمرار في القتال حتى على بعد 800 متر من النقطة الصفر وخارج منطقة السّقط (الغبار النووي المتساقط)".
وساعدت التجارب الجيش في تنمية "التحضير الجسدي والذهني للمقاتل العصري"، وتعليمه حماية نفسه بعد تفجير نووي.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أوغست ريبي (74 عاما) وهو جندي أرسل إلى موقع التجربة ويعاني سرطان العنق، "مباشرة بعد التفجير قيل لنا ‘اذهبوا وانظروا إلى النتيجة‘"، ولم يعط هو ورفاقه حماية إلا "بذلات جيدة بلا فائدة على الإطلاق وقناعا ضد الغازات".
لا جديد
وتحدثت صحيفة لوباريزيان عن 300 جندي فرنسي شاركوا في تلك التجربة.
وقال المندوب الفرنسي للسلامة النووية مارسيل جوريان دو لا غرافيير لقناة فرنسية إن التقرير لم يحمل أي جديد، وقانون تعويض ضحايا التجارب ينسحب على هؤلاء الجنود.
وحسب دو لا غرافيير، يتعلق الأمر بـ"تجارب تكتيكية" أوردت في تقرير وزع على الصحفيين الذين غطوا مؤتمرا في الجزائر عن الموضوع قبل ثلاثة أعوام.
أما وزير الدفاع إيرفي مورين فقال لصحيفة لوباريزيان إنه لا علم له بالتقرير واكتفى بالقول إن "الجرعات (الإشعاعية) خلال التجارب كانت منخفضة جدا".
وتقول جمعية فرنسية تعرف اختصار بـ"آفين" وتمثل الجنود ضحايا التجارب في الجزائر وبولينيزيا، إنها جمعت 4500 شهادة من العسكريين وزوجاتهم، وتتحدث عن 210 تفجيرات في هاتين المنطقتين.
ويقول ناشطون إن أطفالا ولدوا بعاهات خلقية في صحراء الجزائر الملوثة، بينما يعاني قدماء الجنود الفرنسيين من أنواع سرطان لم يعرف سببها.
تعويضات "مهينة"
وأعلنت فرنسا قبل نحو ثلاثة أشهر أنها ستخصص 13.6 مليون دولار تعويضات لضحايا تجاربها، معترفة بذلك بالعلاقة بين التفجيرات وأمراض يعانيها الضحايا وأزواجهم وأطفالهم.
لكن جمعية 13 فبراير الجزائرية التي تمثل ضحايا التجارب الجزائريين رفضت التعويضات ووصفتها السبت الماضي على لسان رئيسها عبد الرحمان لكساسي بـ"المهينة"، وطلبت تنظيف المنطقة الملوثة وإقامة مستشفى.
ويأتي التقرير السري في وقت يحاول فيه عشرات النواب الجزائريين استصدار قانون جزائري يجرم الاستعمار ويطالب فرنسا بالاعتذار، وهي خطوة أبدت فرنسا قلقها بشأنها.