وصف الاتحاد الأوروبي وفرنسا والأمم المتحدة بغير المقبولة دعوة وجهها الزعيم الليبي معمر القذافي للجهاد ضد سويسرا "الفاجرة" لكن هذا البلد، الذي ينهج رسميا سياسة الحياد منذ 1815، لزم الصمت تجنبا لتصعيد أزمة بدأت قبل 18 شهرا تقريبا بتوقيف نجل للزعيم الليبي في جنيف، تبعته معركة قانونية تخص مواطنيْن سويسريين في ليبيا.
ودعا القذافي أول أمس في بنغازي في ذكرى المولد النبوي الشريف إلى مقاطعة "الملة الكافرة الفاجرة المعتدية على بيوت الله"، في إشارة إلى استفتاء سويسري أيّد حظر بناء المآذن.
وقال إن أي مسلم يتعامل مع سويسرا "كافر" وأضاف "لن نتخلى عن الجهاد لأنه فريضة".
ووصفت فرنسا والأمانة العامة للأمم المتحدة كلام القذافي بغير المقبول.
كما وصف ناطق باسم مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي -كاثرين آشتون- كلام القذافي بأنه تصريح "مؤسف" يأتي فيما التكتل يحاول حل أزمة البلدين.
ووصفت مفوضة حقوق الإنسان الأممية نافي بيلاي كلام القذافي بـ"الغريب"، بينما قال مدير مكتب الأمم المتحدة في أوروبا سيرجي أورجونيكيدزه إن دعوات كهذه تصدر عن رئيس دولة "غير مقبولة".
لا يمثلنا
لكن حسب ممثلين عن الجالية المسلمة في سويسرا، حيث يمثل المسلمون 6% من 7.5 ملايين ساكن (أغلبهم من يوغسلافيا السابقة وتركيا وشمال أفريقيا) فإن كلام القذافي لا يمثله إلا هو ولا يحمل أية مصداقية.
وقال حفيظ وارديري وهو متحدث سابق باسم مسجد جنيف "غضبه جعله في حالة هستيرية. لا مصداقية له إطلاقا في توجيه هذه الدعوة لأنه لا يمثل إلا نفسه ولا حتى شعبه" لكنه حذر من أن نداءه "يعزز خطابا معاديا للأجانب يشجعه بعض المتشددين هنا".
وقال ياسر أوزدمير من فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا ومقرها زوريخ "لم يفاجئنا بما أننا كثيرا ما سمعنا هذا الهراء" واعتبر القذافي "قائدا سياسيا لا قائدا دينيا" وهو بالتالي "لا يملك أية سلطة للدعوة إلى الجهاد".
جناح محافظ
لكن حسني عبيدي وهو مدير مركز دراسات في جنيف، يعنى بالعالمين العربي والمتوسطي، اعتبر حديث القذافي مؤشرا على سيطرة جناح محافظ في النظام الليبي يعادي التطبيع مع سويسرا، وسجّل أنه أعقب لقاء في مدريد الأسبوع الماضي بين وزيري خارجية البلدين لتحسين العلاقات.
ودعا سياسيون سويسريون بلادهم إلى التزام الصمت كالنائب السابق السويسري زيغلر.
لكن آخرين طلبوا أن تتوجه على الأقل لمجلس الأمن ليدين كلام القذافي كالنائب الوطني أوسكار فرايزينغر الذي قال "لا تعرف أبدا ما يمكن أن يقدم عليه المجانين.. يمكنني أن أتصور أنه لا يُؤخذ بجدية، لكنه مع ذلك رئيس دولة يعلن الحرب على سويسرا".
لو فعلها هتلر
وأضاف فرايزينغر، الذي ينتمي إلى أكبر حزب سويسري "لو فعل هتلر الشيء نفسه لاحتج الجميع، لكن مع هذا الشخص نقبل الأمر بكل بساطة".
وبدأت الأزمة بتوقيف نجل للقذافي وزوجته في جنيف في يوليو/تموز 2008 بتهمة إساءة معاملة خدمهما، لكن الدعوى أسقطت وأفرج عنهما بعد يومين، وردت ليبيا بتوقيف سويسرييْن هما رشيد حمداني وماكس غولدي، بتهمة خرق قوانينها، واستمرت معركتهما القانونية 18 شهرا وتوجت بتبرئة أحدهما وإصدار حكم بسجن الثاني أربعة أشهر.
وقررت سويسرا بعد هذه الأحكام منع 180 شخصية ليبية بينها القذافي من دخولها، وبالتالي دخول 24 دولة أخرى من دول شنغن، وهو قرار لم تنتقده من دول الاتحاد الأوروبي إلا إيطاليا، وردت ليبيا بمنع التأشيرات عن دول هذا الفضاء.