أدى السجال الدائر حاليا في المغرب حول عملين فنيين إلى خلط الأوراق داخل أحزاب الأغلبية الحكومية من جهة وأحزاب المعارضة من جهة ثانية، مما كان له انعكاس على الرأي العام المحلي الذي انقسم إلى فريقين، أحدهما يشدد على عدم المساس بالقيم الأخلاقية للمغاربة، والثاني يدافع عن حرية الإبداع والحرية الفردية التي تكفلها المواثيق الدولية.
ويلاحظ أن كلا من الفريقين يستند في موقفه إلى بعض مقتضيات الدستور المعدل المصادق عليه عام 2011، فالفريق الأول يتحدث عن هوية المغاربة وعن ثوابت الأمة القائمة على الدين الإسلامي السمح، فيما يركز الفريق الثاني على منظومة حقوق الإنسان وطابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزئة.
حدثان إذن، أديا إلى تقسيم الشارع السياسي في المغرب: منع توزيع فيلم «الزين اللي فيك» لمخرجه نبيل عيوش في القاعات السينمائية المغربية، وبث سهرة جينيفر لوبيز على شاشة القناة التلفزيونية الثانية (دوزيم) انطلاقا من منصة مهرجان «موازين» الغنائي. وبدا واضحا غياب موقف موحد لدى أحزاب الأغلبية الحكومية (العدالة والتنمية، التقدم والاشتراكية، الحركة، التجمع) وأيضا لدى أحزاب المعارضة الأساسية (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة).
المثير في الأمر ـ كما يسجل مراقبون ـ أن حزب «الاستقلال» المعارض بدا أمام هاتين النازلتين متقاربا جدا مع موقف حزب خصمه اللدود «العدالة والتنمية». ولذلك، خرجت «الشبيبة الاستقلالية» محتجة على فيلم عيوش أمام البرلمان في الرباط، كما نظمت وقفة احتجاجية أمام مقر القناة الثانية في الدار البيضاء. وفي السياق نفسه، طرح برلمانيون من حزب «الاستقلال» أسئلة حول فيلم نبيل عيوش، تصب في الموقف نفسه الذي يتبناه الحزب الموصوف بالإسلامي (وإن كان رئيسه يحاول استبعاد هذه الصفة عنه). ويفسر ذلك بكون «الاستقلال» يُنعت بكونه حزبا محافظا، وبعبارة ألطف حزب يشترك في المرجعية نفسها مع حزب عبد الإله بن كيران الذي يقود الحكومة، وهي مرجعية تؤكد على قيم الأسرة المغربية.
وفي المقابل، اختار «التقدم والاشتراكية» ـ «الحزب الشيوعي» المغربي سابقاً ـ الاصطفاف بعيداً عن التشكيلة الحكومية التي ينتمي إليها، مقترباً أكثر من مواقف جزء من المعارضة ممثلة أساسا في «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» و»الأصالة والمعاصرة»، حيث أصدر الحزب بيانا يؤكد فيه على «المبدأ الأساس الذي قوامه أن الحرية المسؤولة هي الأصل»، داعيا إلى «النقاش الهادئ والرصين ونبذ إثارة التشنج وإشعال حروب أيديولوجية في المغرب»، ومسجلا «بأسف شديد التقاطب غير السليم، وما يتم التعبير عنه من تعارض مطلق بين خطاب المغالاة في الأخلاق وخطاب لا يأخذ بعين الاعتبار واقع المجتمع». ولم يقف الأمر عند حدود البيان، بل إن الوزيرة شرفات أفيلال (المنتمية إلى حزب «التقدم والاشتراكية») أكدت ـ في تصريح لموقع إلكتروني ـ أنها حضرت سهرة جينيفر لوبيز رفقة أبنائها، واعتبرت أن جميع الحاضرين كانوا يرقصون خلال السهرة.
والظاهر ـ بحسب بعض المعلقين ـ أن حزب الشيوعيين المغاربة القدامى تعب من الاصطفاف الحالي بجانب الإسلاميين، وهو موقف جر عليه كثيرا من الانتقاد والسخرية حتى من بعض أصدقاء الأمس القريب، كما هو الشأن بالنسبة لأمين عام «الاتحاد الاشتراكي» الذي قال إن «التقدم والاشتراكية» يعمل بمبدأ «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». ومن ثم بدأت الهوة تتسع بين طرفي الحكومة المشار إليهما، مما يجعل الكثيرين يتساءلون عما إذا كانت هذه المستجدات إيذاناً ببداية تشكل خريطة سياسية جديدة، لاسيما وأن المغرب مقبل على الانتخابات البلدية التي ستجرى خلال أيلول (سبتمبر) المقبل.
القدس العربي