تونس

يوم غد سيكون رئيس الحكومة أمام مجلس نواب الشعب ليفي بالتزام قطعه على نفسه وهو تقديم حصيلة المائة يوم الأولى لعمل حكومته...


الإيفاء بالعهد سجية محمودة ولكن ينبغي أن يكون لهذا العهد معنى اليوم عند سائر التونسيين، والواضح اليوم أنه باستثناء الطبقة السياسية والإعلامية لا أحد يهتم بفلسفة المائة يوم هذه. وهذا الموعد، الذي تجاوزناه بثلاثة أسابيع، أصبح نوعا من الفخ للحكومة ذاتها التي اعتقدت أن التقييم السياسي مرتبط بسرد قائمة الإنجازات والتعرض لبعض الهنات والصعوبات.
الحوار المجتمعي اليوم في البلاد لم يعد يعير أية أهمية لجرد كمي لمحصلة المائة يوم الأولى من حكومة الحبيب الصيد... اليوم وأمام تفاقم التشاؤم الوطني ينتظر التونسيون من حكامهم رسم معالم الطريق للخروج من هذه الأزمة الخانقة للجميع..

غدا ينتظر التونسيون من رئيس الحكومة الذي يحظى بأغلبية مريحة داخل مجلس نواب الشعب مصارحة حول الوضع بداية وخطة عمل لمجابهة أهم التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المطروحة أمام البلاد..

التشخيص واضح للعيان.. نحن نعيش تحت تهديدين كبيرين: الإرهاب داخل حدودنا وخارجها واقتصاد معتل يتراجع من يوم إلى آخر تحت وطأة مطلبية اجتماعية مجحفة وتعطل إنتاج الثروة وغياب ثقة أهم أطراف الإنتاج في الدولة...

ما يهمنا أن نستمع إليه غدا هو ليس ما فعلت الحكومة بل ما تنوي فعله في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار ولإرجاع حدّ أدنى من ثقة كل فئات البلاد في الدولة...
ما يريد التونسيون سماعه هو ما هي سياسة الحكومة تجاه موجة الإضرابات وعمليات ليّ الذراع التي تقدم عليها بعض النقابات العامة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل؟ لا أحد يشك أو يشكك في الدور التاريخي والحاضر للمنظمة الشغيلة ولكن كيف التعامل مع هذا التصاعد الجنوني للإضرابات بأصنافها من إضرابات كلاسيكية إلى إضرابات إدارية في قطاعات لها حساسية مفرطة لدى الرأي العام كالتعليم والصحة مثلاً؟

لا يدعو عاقل واحد إلى سياسة العصا الغليظة لأن في ذلك تنكرا لكل ما قامت به تونس من أجل التخلّص من الاستبداد.. ولكن هل يعني هذا السماح للفوضى بأن تعمّ البلاد وأن تقضي على ما بقي من أمل للخروج من هذه الأزمة؟

لقد اعتقدت حكومة الحبيب الصيد أنه بإمكانها شراء السلم الاجتماعية بالقبول بفتح التفاوض مع اتحاد الشغل بعنوان 2014 وبالرضوخ لمطالب أساتذة التعليم الثانوي من أجل إنقاذ الباكالوريا وبالتعهد بكل الاتفاقيات المبرمة مع حكومة مهدي جمعة (وللإفادة نقول بأن الحكومة المتخلية قد برمجت هي نفسها في الميزانية الحالية المبالغ المتعلقة بهذه الاتفاقيات) وهذا ما كلّف ميزانية الدولة لهذه السنة حوالي 800 مليار من المليمات وباعتبار أن الحكومة لا تملك هذه المبالغ فهي ستقترضها من السوق العالمية على الأرجح. هذا ولم ننه بعد التفاوض على زيادات السنة

الحالية!! ولكن الأهم من كل هذا أنه لم تحصل سلم اجتماعية بل العكس من ذلك تماما.. فهل ستنوي الحكومة تغيير سياستها التفاوضية أم ستقبل بهذا الابتزاز المتواصل والذي لن ينتهي عند حدود التعليم الأساسي بل ستسري عدواه إلى كل قطاعات الوظيفة العمومية والقطاع العام بصفة أوسع...

المطلوب اليوم هو عقد اجتماعي وجماعي لإنقاذ تونس تطرحه الحكومة بوضوح على كل الأطراف وتشرع في تنفيذه دون انتظار حصول إجماع حوله فالفعل الخاطئ أفضل في هذه الحالات من الجمود القاتل..

وفي سياق متصل، كما يقال، بقيت الحكومة تتريث أمام تنامي الاحتجاجات الاجتماعية بمختلف أصنافها بداية بمعضلة الحوض المنجمي والتي لم تُحلّ إلى حدّ الآن مرورا باحتجاج الأهالي في عدة مناطق بالجنوب والوسط مطالبين بالتنمية وبحقهم في الموارد الطبيعية التي تُستخرج من مناطقهم وصولا إلى حملة «وينو البترول» والمنزلق الخطير الذي نراه أمامنا اليوم هو اتهام أطراف في الحكم لمجموعات «بالاصطياد في الماء العكر»..

ينبغي أن نحذر أشد الحذر من «لوجيسيال» المصطادين في الماء العكر الذي كان عزيزا على نفس الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بداية لأن البحث عن محرك مستتر لتحركات اجتماعية واسعة إنما هو عجز عن فهم ما يحصل وغياب تواصل بين جزء من النخبة وفئات من الشعب.. إذ يعني هذا أن ما يحصل ليس نتيجة أزمة عميقة تمر بها البلاد بل «تخطيط جهنمي» لبعض من خسروا الانتخابات.. لقد سعت الترويكا سابقا إلى استعمال هذا «اللوجيسيال» فارتد عليها واضطرت، تبعا لذلك، لمغادرة الحكم..

فأن تستفيد أطراف معارضة من أزمة الحكّام فهذا يندرج في إطار اللعبة الديمقراطية وأن يضرب بعض المعارضين تحت «السنتورة» فهذا أمر عادي وقد لجأ إليه بعض حكّام اليوم أمام حكّام الأمس...

ولكن الأهم من كل هذا هو فهم حقيقة ما يعتمل داخل المجتمع التونسي وهو استفحال أزمة الثقة نتيجة ضعف الدولة وتفاقم ما يمكن أن نسميه بالقبليات الجديدة من عروشية وجهوية وفئوية وإيديولوجية... والدولة لن تعود إليها هيبتها إلا متى استعادت ثقة شعبها فيها...

لقد قلنا وكررنا، في هذه الأعمدة، إلى حد الملل أن الأزمات الاستثنائية تتطلب حلولا غير كلاسيكية وجرأة بل وجراءة سياسية لأن تفاقم عدم الثقة يولد في المحصلة انهيار الدولة وعندها فلا مطلبية ولا احتجاج ولا مكاسب تفتك من حكومة ضعيفة..

فالأزمة التي لا تحل في بدايتها – ولو بتنازل محسوب – سوف تكون مكلفة للغاية بعد تضخمها.. وكل ما حدث يفسر النجاح المذهل لحملة «وينو البترول» لأن بعض مواطنينا لم يعودوا يثقون في شيء يذكر ينبع من الأجهزة الرسمية..

كيف ستتعامل حكومة الحبيب الصيد مع كل هذا؟
هذا ما نريد الإنصات إليه يوم غد...

لا يدّعي أحد أن مهمة هذه الحكومة سهلة فتونس أصبحت صعبة القيادة ولكن ينبغي أخذ الثور من قرنيه كما يقول المثل الفرنسي وذلك يقتضي، في هذه الحالة، عزيمة وإصرارا على مقاومة الفساد والرشوة والمتطاولين على القانون فالأمم تنهار، كما قال نبي الإسلام، عندما تقيم الحد على «الوضيع» وترفعه عن «الشريف»..

لا بد أن يثق المتشككون أن تونس الثورة ستقاوم الفساد بكل أنواعه وأنها قد تتصالح مع الأفراد ولكنها لا ولن تتصالح مع الفساد وما ضر هذه الحكومة لو كلفت لجنة مستقلة مشهودا لها بالكفاءة والحياد للتدقيق والتحقيق في كل الصفقات العمومية الكبرى سواء تعلق ذلك بعقود الطاقة أو غيرها وأن تشترك في هذه اللجنة أطراف المعارضة والمجتمع المدني؟!

المهم على كل حال هو مقارعة الصعاب وإقناع التونسيين بأن هنالك حكومة تحكم وتخطط وتنفذ حتى لا نردد، بعد «وينو البترول» تلك القولة الشهيرة لأول رئيس حكومة لتونس ما بعد الثورة «وينها الحكومة»..
المغرب


الخبر السابق - الخبر التالي تحضير للطباعة أرسل هذا الخبر إنشاء ملفpdf من الخبر
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع

أخبار أخرى

  • 2021/12/20 10:46:03 وفد مساعدي أعضاء الكونجرس الأمريكي يشيد باجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر
  • 2021/12/12 6:43:20 وفد من جنوب السودان يصل إلى الخرطوم لبحث تنفيذ اتفاق البرهان وحمدوك
  • 2021/12/7 6:45:24 اليوم.. مصر تحتضن مؤتمرًا دوليًا لمواجهة التغيرات المناخية
  • 2021/12/1 10:56:01 بعد قليل.. فتح الطيران المباشر بين مصر والسعودية
  • 2021/11/30 10:50:04 برلمانية: معرض إيديكس 2021 رسالة ردع لكل من يحاول تهديد أمن مصر
  • 2021/11/30 10:47:31 عضو «السيادة السوداني» يبحث سبل حل قضية شرق السودان
  • 2021/7/18 5:24:27 «تطورات خطيرة».. السودان يكشف انخفاض مياه الأزرق لـ 50% بسبب سد النهضة
  • 2021/7/18 5:14:46 مصر سترصد الفضاء بثاني أكبر تلسكوب في العالم
  • 2021/2/13 11:24:06 إثيوبيا تمارس "الاستيطان الإسرائيلي" وينقصها الشجاعة لإعلان الحرب
  • 2021/2/13 11:20:57 مصر تنتظر توضيح مواقف إدارة بايدن من قضايا الإقليم
  • 2021/1/13 8:18:25 تصفية أشهر وأعرق شركة تأسست في عهد جمال عبد الناصر
  • 2020/12/29 4:53:31 الجيش المصري يستعد في شمال سيناء
  • 2020/12/28 9:06:31 على أعتاب الاكتفاء الذاتي في سلعة استراتيجية
  • 2020/12/27 7:21:04 السيسي: اتفاق سد النهضة يجب أن يكون ملزما ويحفظ حقوق مصر
  • 2020/12/13 8:50:00 يغلق معبر أرقين الحدودي مع مصر
  • 2020/12/12 11:18:08 715 مليون يورو تمويلات فرنسية إلى مصر.. وهذه تفاصيلها
  • 2020/12/6 6:31:09 البعثة الأممية في ليبيا تعلن نتائج التصويت على مقترحات آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة
  • 2020/12/6 6:20:50 إقالات ودعوة لـ"يوم غضب" إثر مقتل طبيب بسقوط مصعد معطل
  • 2020/11/30 5:28:26 البرلمان الليبي يدعو لعقد جلسة خاصة
  • 2020/11/30 5:26:54 تسجيل 66 وفاة و1271 إصابة جديدة بفيروس كورونا
  • 2020/11/28 8:12:19 السودان تشيع جثمان زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في جنازة مهيبة
  • 2020/11/25 10:58:44 السيسي: لقاح فيروس كورونا سيكون متوفرا في مصر منتصف العام المقبل
  • 2020/11/23 10:05:05 ماذا يعني انسحاب السودان من مفاوضات سد النهضة؟ خبراء يجيبون
  • 2020/11/18 10:11:06 رئيس وزراء السودان يؤكد الاستعداد للتعاون مع بعثة "يونتامس"
  • 2020/11/17 11:29:29 تبادل إطلاق نيران في ظل وضع ملتبس بالصحراء الغربية وتصعيد بين الجيش المغربي والبوليساري
  • 2020/11/17 11:26:22 صراع الحرب الأهلية يشتد.. محاولات وساطة لوأد النزاع في تيغراي
  • 2020/11/17 11:03:11 بريطانيا تسعى لسحب لقب أكبر مستثمر أجنبى فى مصر من الاتحاد الأوروبى
  • 2020/11/14 10:58:35 مباحثات سودانية - أمريكية في الخرطوم
  • 2020/11/11 7:57:26 إثيوبيون بينهم عسكريون يفرون من القتال في تيغراي إلى السودان
  • 2020/11/11 7:55:21 مجلس الأعمال المصرى اليونانى: استثمارات يونانية فى مصر تخطت المليار يورو