سباق دبلوماسي على أكثر من صعيد بين الجزائر والمغرب، قوامه توطيد العلاقات مع فرنسا، في مشهد يؤكد ثقل وأهمية هذا البلد في السياسة الخارجية لكل من الجزائر والرباط.
فبعد أقل من أسبوع عن زيارة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للجزائر، وما خلفته من قراءات سياسية وإعلامية صبت كلها في توجه مفاده تراجع أسهم المخزن في السياسة الخارجية لليسار الفرنسي الحاكم، أعلن زعيم حزب اليمين المعارض، الاتحاد من أجل حركة شعبية، نيكولا ساركوزي، عن زيارة للمغرب.
زيارة الرئيس الفرنسي السابق اليوم للمغرب واستقباله غدا من قبل العاهل، محمد السادس، لا تخلو من خلفيات باتت معروفة لدى المتابعين للعلاقات بين فرنسا ومستعمرتيها السابقتين، كما أن طبيعة الوفد المرافق له والذي يضم برلمانيين يمينيين، بينهم وزيرة العدل السابقة، رشيدة داتي، وبيار للوش ولوك شاتال، وأوليفيي مارليكس، يعطي لهذه الزيارة بعدا خاصا.
ومعلوم أن زيارة هولاند الأخيرة للجزائر، تعتبر الثانية من نوعها منذ توليه سدة الرئاسة الفرنسية، في حين أنه لم يزر المغرب إلا مرة واحدة، الأمر الذي خلف شعورا لدى السلطات المغربية، بتراجع أهمية المملكة في استراتيجية السياسة الخارجية الفرنسية، بعد سنين طويلة من الحظوة التي لقيتها من قبل السلطات الفرنسية، على اختلافها، اليمينية منها واليسارية، ما دفع بالأوساط السياسية والإعلامية في المغرب، للبحث عن مبررات لتحول بوصلة فرنسا نحو الجزائر.
وفي هذا الصدد، كتبت مصادر إعلامية مغربية أن الرئاسة الفرنسية أكدت للمغرب أن "فرنسا تحتاج إلى الجزائر بقدر حاجتها إلى المغرب، وبالتالِي لا يمكن أن تجري قراءة زيارة هولاند، باعتبارها انحيازا إلى الجزائر، لاسيما إزاء الظروف الحالية التي تجتازها المنطقة وما تملِيه من تعاون، مشيرة إلى أن من الأفضل لفرنسا أن يكون هناك تنسيق أمثل مع المغرب والجزائر وتونس".
وكانت العلاقات المغربية الفرنسية قد تضررت بشكل لافت قبل نحو سنتين من الآن، عندما أقدمت الشرطة الفرنسية على اعتقال مسؤول أمني مغربي سام في باريس، وذلك بناء على دعوى قضائية رفعها ضده مغاربة تعرضوا للتعذيب على يده. ولم يعد الدفء لتلك العلاقات إلا في مارس المنصرم بعد الزيارة شبه الرسمية التي قادت محمد السادس لفرنسا.
غير أن حرارة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب لم تنعكس على أبعاد أخرى، وفي مقدمتها البعد الاستثماري، إذ وعلى الرغم من الحظوة التي تلقاها الشركات الفرنسية في الجزائر مقارنة بمنافسيها الأجانب، إلا أن المخزن لا يزال الوجهة المفضلة للاستثمارات الفرنسية الكبرى، فبعد إقامة عملاق السيارات"رونو" مصنع له بطنجة، جاء الإعلان أول أمس الجمعة، بصفة رسمية عن إقامة مصنع جديد للصانع الآخر "بيجو" بمدينة القنيطرة.
وخوفا على مصالحه في الجزائر، سارع الطرف الفرنسي إلى تطمين الطرف الجزائري، من خلال إقامة مشاريع صغيرة له بالجزائر، لا ترقى لأن تكون في مستوى ما زرع في المغرب.. وهي النقطة السوداء التي قد تؤثر على العلاقات الثنائية ولو لاحقا.
الشروق