فتحت قضية شبكة التجسس الروسية ضدّ المصالح التونسية الباب واسعا للحديث عن الوضع الأمني في تونس منذ سقوط النظام السابق وعن جهاز الاستخبارات العامة الذي على ما يبدو يحتاج إلى جهاز مكافحة تجسس فعّال، حسب ما أكده العديد من الخبراء الأمنيين.
وظهرت القضية للعلن وأصبحت مشاعة لدى الرأي العام منذ إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق أربعة موظفين تونسيين من بينهم امرأة (يعملون في البلديات) بتهمة التآمر على أمن الدولة. وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس، سفيان السليطي، في تصريحات صحفية، إن النيابة العمومية أمرت بفتح تحقيق في هذه القضية في أعقاب تواتر معلومات تفيد بالكشف عن شبكة تجسس تقودها أطراف أجنبية قامت بتجنيد عدد من التونسيين العاملين بدوائر بلدية وإدارات عمومية، وفقا لوكالة الأنباء التونسية الرسمية. وأشار السليطي إلى أن التهم التي قامت عليها القضية تتعلق بالارتشاء والتدليس والاعتداء على أمن الدولة الداخلي وتكوين عصابة بقصد الاعتداء على الأشخاص والممتلكات والإضرار بالدولة.
وتضم شبكة التجسس، حسب مصادر مطلعة، دبلوماسيين روسيين قاما بتجنيد عدد من الموظفين العاملين في بلديات وإدارات عمومية حساسة للتمكن من الاطلاع على دفاتر الحالة المدنية والحصول على نماذج منها. وأوضحت المصادر أن أحد الروسيين دخل إلى تونس إبّان أحداث 14 يناير 2011 وقام بتحركات مشبوهة مقدما نفسه على أساس أنه باحث بصدد إعداد بحث عن المواطنين الروس الذين لجأوا إلى تونس مع بداية القرن الماضي وتمكن من تكوين شبكة من العلاقات الواسعة مع العديد من الموظفين والحصول على قاعدة البيانات والمعطيات الخاصة بالتونسيين من مواليد الثمانينات. وأكدت وكالة الأنباء التونسية أن النيابة العمومية أطلقت سراح الدبلوماسيين الضالعين في عملية تجسس لتمتعهما بالحصانة الدبلوماسية. وتعدّ قواعد الحصانة الدبلوماسية من أول المبادئ القانونية المستقرة في القانون الدولي المنظم للعلاقات بين الدول، وعادة ما تستخدم بعض الدول بعثاتها الدبلوماسية في التجسس.
ورغم أن الحصانة تمكن الدبلوماسيين من التجرد من الملاحقة القضائية والتتبعات العدلية إلا أنها مقيدة بمقتضيات الأمن الوطني للدولة صاحبة الإقليم، باعتبار التجسس يدخل في إطار التعدي على سيادة الدولة. ووصف مراقبون هذه القضية بـ"الغامضة والمتشعبة" خاصة وأن الأبحاث مازالت جارية ولم يتم الكشف بعد عن الأسباب الحقيقية وراء عملية التجسس التي انطلقت منذ بداية الانتفاضة في تونس. واعتبر خبراء أن الوضع الأمني المرتبك وانهماك السلطات في رصد حركات الجماعات الإرهابية ومحاولة تطويق نشاطها وتفكيك خلاياها النائمة، سمح باختراق المؤسسات الرسمية من قبل دول أجنبية تتضارب مصالحها وتتباين. وطالب شق واسع من التونسيين من رجال أمن وفاعلين سياسيين الحكومة بتطوير جهاز المخابرات حتى تكون له القدرة الفائقة على حماية منظومة الأمن القومي والتوقي من كل المخاطر الداخلية والخارجية خاصة في ما يتعلق بأعمال التجسس. وانتقد حقوقيون صمت السلطات الرسمية عن موضوع التجسس إلى حدّ اتهام بعض الجهات بالتساهل مع هذا الموضوع الذي يكتسي أهمية كبرى في هذه المرحلة وفي كل المراحل اللاحقة. وسبق أن أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا في يونيو الماضي أكدت فيه أن ثلاث دول أفريقية هي الجزائر وتونس وإثيوبيا سمحت بتقديم معلومات خاصة عن مواطنيها لصالح وكالة الأمن القومي الأميركية ومنظمة "فايف آيز" المتكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزلندا، حيث سمحت هذه الدول بالتجسّس على مواطنيها لصالح الأميركيين وقدّمت لهم معلومات خاصة في شكل معطيات شخصية وتسجيلات لمكالمات هاتفية واتصالات عبر الإنترنت.