فجّرت انتقادات رئيس الديوان برئيس الجمهورية، أحمد أويحيى، ضد الوزير الأول، عبد المالك سلال، جملة من التساؤلات حول خلفية "النيران الصديقة" التي اندلعت داخل الجناح الرئاسي، وزاد من حدتها استقباله رئيس حركة مجتمع السلم، في خطوة لا تزال فصولها غير مفهومة، وما إذا كانت بداية لمشاورات سياسية جديدة. فهل هذه المعطيات مؤشرات على دخول البلاد مرحلة جديدة؟ ومن الخاسر والرابح فيها؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها الملف السياسي لهذا الخميس.
عودة أويحيى الاستعراضية.. هل ستكون على حساب سلال؟
خلّف البروز الاستعراضي لرئيس الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، بقبعتيه الرسمية والحزبية، موجة من القراءات السياسية، صبت كلها في كون الرجل يبحث عن دور أكبر من ذلك الذي يوفره له موقعه الراهن.
وكان يمكن أن تكون "خرجة" أويحيى عادية لو كانت فقط بالقبعة الحزبية باعتباره أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، إلا أن ارتداءه قبعة أخرى رسمية، في مهمة موكولة للجهاز التنفيذي الذي يتوفر على شخصيات سبق لها وأن أدت الدور ذاته مثل عبد المالك سلال، فتح الباب على مصراعيه أمام التأويلات.
ومما أعطى لهذه التأويلات جانبا من المصداقية، هو أن أويحيى خرج عن المعهود وراح ينتقد أداء الجهاز التنفيذي (الحكومة) وتعاطيه مع الأزمة المتفاقمة التي خلفها ولايزال، تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما تسبب في تراجع عائدات البلاد إلى النصف.
وكان واضحا أن السهم موجه لخليفته في الحكومة، الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي لم يلعب الدور المنتظر منه في مثل هذه الوضعية، بحسب أويحيى، الذي شبّه سلال بالرئيس الأسبق، الراحل الشاذلي بن جديد في بداية الثمانينيات، فيما عرف بصدمة أسعار النفط آنذاك.
ونادرا ما يصدر تصريح من أويحيى ينتقد أداء الجهاز التنفيذي، فالرجل معروف بخرجاته المتعالية على المعارضة والمنتقدة لمواقفها وأدائها، أما أن يهاجم الحكومة فهذا جديد على الرجل، الذي لطالما لعب دور حارس المعبد على مدار سنين طويلة.
ويدرك أويحيى أن انتقاد سلال، يعني وفق علاقة التعدي في لغة الرياضيات، انتقادا للمسؤول الذي عيّن سلال وزيرا أول، وهو رئيس الجمهورية، الذي هو من عيّن بدوره، أمين عام الأرندي رئيسا للديوان برئاسة الجمهورية، ما يعني أن الانتقاد تمكن قراءته من جانبين.
الجانب الأول، هو أن موقف أويحيى المنتقد للحكومة، كان من محض إرادته ودون إشارات من قيادة الجناح الرئاسي، وفي ذلك انتحار سياسي، كذلك الذي وقع فيه المستشار السابق بالرئاسة، عبد العزيز بلخادم، الذي يقاسي آلام الإقصاء والتهميش.
الجانب الثاني هو أن تكون خرجة أويحيى قد تمت بمهماز صانع القرار في الجناح الرئاسي، وفي ذلك مؤشر على أن هذا الجناح وصل إلى قناعة مفادها، إما أن سلال لم يوفق في المهمة التي أوكلت له منذ ثلاث سنوات، أو أنه لم يعد رجل المرحلة التي تطبعها صدمة في أسعار النفط ألحقت ضررا بالغا بمداخيل الدولة، وأن أويحيى هو الرجل الأنسب لتسيير مرحلة الأزمة.
المؤشر الآخر الذي يصب في هذا الاتجاه أيضا، هو تكليف الرئيس لرئيس ديوانه باستقبال رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، وهي المهمة التي كلف بها الوزير الأول الحالي، في وقت سابق. فهل تدحرج موقع سلال في هرم الجناح الرئاسي؟ أم أن الأمر مجرد قراءات مجانبة للحقيقة؟
كريم طابو لـ "الشروق"
"ما يحدث هذه الأيام ترتيبات خاصة بالسلطة داخل السلطة"
لماذا أطلقت السلطة مشاورات جديدة مع الأحزاب في هذا الوقت، وما خلفيات هذا التحول؟
حتى الآن لا مؤشر جديدا بأن هنالك إدارة قوية من السلطة للخروج من المسلسلات الزائفة، وهذا الاستهتار منها أوصل البلاد إلى وضع خطير للغاية وهو ما نشهده في غرداية، وفي مناطق أخرى، كان المفروض أن المشاكل المطروحة على الساحة الوطنية تؤسس لحوار جدي وعميق وبقوة سواء من السلطة أم المعارضة.
لما نرى تفاقم الأزمات وتعقيداتها وفي نفس الوقت يبقى النظام يتعامل معها بنفس المراوغة السياسية، يحق لنا أن نطرح التساؤل: هل له الإرادة حقا والقناعة لإخراج البلاد من الأزمة، وهل المسؤولون على مستوى أعلى هرم السلطة لهم الإدراك والإحساس أن الجزائر في خطر، وأن أزمات البلاد تحتاج إلى حوار وتعقل، السلطة تريد أدوات سياسية من أحزاب وفاعلين لأحداث حلول مؤقتة لمعالجة مشاكل معقدة وقديمة.
لماذا اختارت السلطة البداية بـ "حمس" في أول لقاء مع المعارضة؟
"حمس" حزب له استقلالية القرار، "حمس" كذلك كانت موجودة في السلطة وخرجت منها، ولا أدخل في هذه التفاصيل، واللقاء الذي تم بين وفد الحركة والسلطة في رئاسة الجمهورية قد يساهم في بناء الثقة والحوار السياسي، لكن الظاهر أن لا أفق ولا آفاق من جانب السلطة لفتح باب الحوار والتشاور السياسي، السلطة لا تبحث إلا عن إعلانات وشعارات، فقد سبق أن عرفنا مشاورات مع بن صالح ثم مع أويحيى، وربما ستطلق مشاورات أخرى، لكن أين هي نتائج المشاورات الأولى والثانية.
كيف تقرأ عودة أويحيى، هل يسوق لشخصه في اعتقادك؟
بغض النظر عن الحسابات الشخصية لأويحيى أو سعداني التي لا أدخل في تفاصيلها كذلك، الملاحظ عن الممارسة السياسية في الجزائر أنه يتم فيها الحديث عن الأشخاص أكثر من الحديث عن الأفكار، الساحة السياسية صارت مبنية على الأشخاص وعلى الاتهامات، وهذه الأخيرة ليس لها عمق سياسي ولا فكري، عودة أويحيى وذهابه دليل على تخبط السلطة والبريكولاج، وفي اعتقادي أن عودته هي ترتيبات خاصة بالسلطة داخل السلطة في ظل استمرار الأزمة، لكن السلطة تريد ترتيبات ليس لها انعكاسات على المواطن.
لنتساءل ماذا تغير عند المواطن في غرداية وفي منطقة القبائل وفي عين صالح وكل مناطق البلاد بعودة أو ذهاب أويحيى.
أين الخلل؟
المشكل أن كل المسؤولين على مستويات السلطة، يردون عندما تسألهم عن أحوال الجزائر بالقول: "لا بأس" ويذكرون أن هنالك مشاريع لدعم تشغيل الشباب (لونساج) وأن الجامعة تخرج أصحاب الشهادات والدخول المدرسي يتم بشكل عادي، ويرفضون الإقرار بوجود أزمة. المشكل الآخر عندما يتم الحديث عن حوار بين السلطة والمعارضة، يجب التأكيد على ضوابط للحوار، فقبل أن يكون الحوار آلية يستوجب فيه القناعة، والإقرار بضرورة الشراكة السياسية بين الطرفين لأن الإقرار بهذا معناه أن الطرف الآخر، ونقصد به المعارضة والنخب، له تأثير على المنطقة وعلى الشباب، لكن السلطة تقول إن المعارضة لا تمثل أحدا وأنها معارضة صالونات ولا برنامج لها، ومن الحماقة السياسية التي ترتكبها السلطة وتصر على الاستمرار فيها تدمير المجتمع المدني والنخب والأحزاب. وفي هذا الحالة وعند حدوث مشكل فلن تجد السلطة وسيطا اجتماعيا وسياسيا بينها وبين المواطن. يجب على السلطة أن تدرك أنه لا يمكن لها مواجهة الأزمات بإضعاف المجتمع واحتكارها القرار السياسي.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر سليم قلالة
السلطة لم تجد أحسن من "حمس" وآويحيى وحده المتضرر من خرجته
كيف تقرأون إطلاق المشاورات في هذا الوقت؟ ولماذا؟
في الواقع هي محاولات تعكس حالة من البحث لدى السلطة عن حل لم تجده بعد، للوضع القائم ولكيفية التعامل مع المعارضة. وهذه المحاولات كما بينت ذلك عدة مؤشرات، هي محاولات مضطربة.
والملاحظ أنه قبل أيام قليلة، أحد ممثلي السلطة، وهو عمار سعداني، أدلى بخطاب متفتح على المعارضة وفيه نوع من البحث عن توافق، لكن أويحيى وهو يمثل السلطة أيضا، كان قد أدلى قبل سعداني بخطاب فيه نوع من التعالي على المعارضة، نوع من التكريس لخريطة طريق وخطة عمل موجودة مسبقا.
أويحيى عاد وغيّر من موقفه وتحول إلى ناقد للوضع القائم والمعارضة والحكومة، ولذلك فهناك محاولات لإيجاد مخرج لكنها غير متبلورة بعد، فلا السلطة تبلور لها حل معين ولا المعارضة تمكنت من الاتفاق على حل موحد وهذا اللقاء جاء ليربط الطرفين.
ما خلفيات البداية بـ "حمس"؟
هذا يعود لكون "حمس" سبق لها أن كانت طرفا في التحالف الرئاسي مع الأرندي والآفلان من جهة، ومن جهة أخرى كون الخط الذي تدافع عنه الحركة هو قبول الحوار مع أي طرف كان دون شروط، ولذلك أعتقد أن الشروط توفرت في حركة مجتمع السلم أحسن من أي حزب آخر.
أما عن إمكانية لحاق بقية المعارضة، فلا أرى أنها ستلتحق بهذا المسعى وهذا نظرا إلى عدم تبلور الموقف لدى السلطة قبل المعارضة.
تباينت القراءات وتعددت لخرجة أويحيى الاستعراضية، ما قراءتكم لذلك؟
خرجة أحمد أويحيى مبنية على رؤيته الشخصية للأحداث ولموقعه الشخصي في الخارطة السياسية الحالية وليست رؤية مطروحة كاستراتيجية للسلطة، ولذلك لا أعتقد أنها ستذهب بعيدا ولا أظن أنها تعبر عن مشروع قادم من طرف السلطة وتأثير خرجات أحمد أويحيى الأخيرة سيكون لها تأثير محدود في الزمن.
عندما يتحرك أويحيى بقبعتيه الحزبية والرسمية، فالأكيد أن لذلك متضررين، على الأقل من داخل الجناح الرئاسي، ما قولكم؟
الذي سيكون أكثر المتضررين هو أحمد أويحيى نفسه وهذا لكون ما تقدم به من طرح لا ينسجم مع الطرح الشامل الذي تطرحه السلطة. وأعتقد أن تصريحاته سابقة لأوانها وتخص النظرة الشخصية لأويحيى وليس بالضرورة نظرة السلطة.
إضافة إلى هذا أعتقد أن أحمد أويحيى شخصن الحل حسب الوضعية التي هو فيها حاليا، ولذلك فحتى سلال لن يتضرر من هذه الخرجة كونها تلزم شخصا معينا وهو صاحبها وليس منظومة حكم.
الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي الصديق شهاب
"لا وجود لمشاورات.. مقري طلب مقابلة الرئيس وعودة أويحيى جاءت في أوانها"
لماذا أطلقت السلطة المشاورات مع الأحزاب في هذا الوقت بالذات ،وما خلفية ذلك؟
السلطة لم تطلق أية مشاورات وكل ما قامت به هو الشروع في استقبال رؤساء الأحزاب والسياسيين الذين سبق وأن تقدموا بطلب لرؤية رئيس الجمهورية، وعبد الرزاق مقري كان أحد هؤلاء، فحصل على ما يريد من خلال تكليف رئيس الديوان باستقباله، والأمر لا يتعلق بظرف محدد ولا وضع معين ولا مباشرة مشاورات جديدة.
لماذا اختيار حمس أولا وهل تتوقعون استجابة بقية الأحزاب؟
كما سبق وأن قلت تم اختيار مقري لأنه هو من أراد ذلك، ونحن نشجع ونرحب بكل مبادرة تنصب في هذا الإطار، كما ننخرط في أي توجه يسعى إلى فتح باب الحوار بين مختلف الأطراف والفاعلين في الساحة السياسية، ونثمن موقف السلطة التي أبدت استعدادها لاستقبال الجميع ورحبت برئيس حركة مجتمع السلم، وأعتقد أن رئيس الجمهورية يهدف من خلال هذه المبادرة إلى ترقية الحوار وتوسيع تمثيل الجبهة الداخلية وتوثيقه، وهو شيء مستحب بالنسبة لنا.
هل تسمونها مشاورات أم حوار؟
هي ليست مشاورات وإنما فتح لأبواب الحوار ومشاركة الرؤى والتوجهات وهذا شيء مرحّب به.
ما هي القراءة التي تعطونها لعودة أويحيى إلى الساحة مؤخرا كأمين عام للتجمع الوطني الديمقراطي وكرئيس للديوان؟
أعتقد أن عودة أويحيى في هذه المرحلة بالذات جاءت في أوانها فهو الرجل المناسب في المكان المناسب. أقصد على رأس التجمع الوطني الديمقراطي، كما أن تصريحاته لم تخرج عن الدور المنوط به سواء كأمين عام للأرندي أو كرئيس لديوان رئيس الجمهورية ومواقفه الأخيرة كانت في محلها، ولا أخفيكم سرا أن أويحيى أعطى حيوية ونشاطا للحزب بمجرد عودته إليه وهذا شيء أضاف الكثير للحزب، خاصة بعد أن عاش التجمع حالة من الجمود خلال الأشهر الماضية، وبعد أن سيطرت على الساحة السياسية في الجزائر جهة واحدة وهي جهة المعارضة.
هل من متضرر من عودة أويحيى إلى الواجهة؟
أعتقد أن ذلك مجرد موقف قد يستشعره البعض ونحن لا نبالي بهذه المواقف، فالأرندي لديه برامج وأهداف والتزامات تزعج من تزعج وترضي من ترضي، ونحن هدفنا في التجمع الوطني الديمقراطي ليس إزعاج الآخرين بقدر ما نحاول إثراء النقاش العام في الساحة وإيجاد الحلول للوضع الراهن، والذي يشهد أزمات وانعراجات خطيرة في مقدمتها الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تهاوي أسعار النفط وتراجع مداخيل الجزائر واستنزاف احتياطي النقد، مرورا بالأزمة الأمنية التي تطبعها الأوضاع في منطقة الساحل والحدود الشرقية والجنوبية والأوضاع في ليبيا، والمطلوب منا في الوقت الراهن هو تعزيز الجبهة الداخلية وإيجاد كل الطرق والسبل لتوسيع الرؤى، كما أننا في مرحلة تحتاج إلى مشاورات بين مختلف الأطياف والتشكيلات خاصة بعد أن تآكلت 50 بالمائة من مداخلينا وأصبحت الأوضاع الأمنية بالحدود ملغمة.