يتفاعل رئيس الحكومة التونسية الأسبق والأمين العام لحركة النهضة الأستاذ علي العريض، مع الشروق في هذا الحوار، الذي رد فيه على مجمل الانشغالات المطروحة على الساحة، خاصة الحديث عن فتور في العلاقة بين تونس والجزائر، والتسريبات التي تتحدث عن إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في التراب التونسي، ويتحدث كذلك عن الشأن التونسي الداخلي بما في ذلك حركة النهضة.
القراءات تصب في أن أزمة صامتة تعرفها تونس والجزائر، من منصبك كرئيس حكومة وموقعك كأمين عام لأكبر حزب في تونس، هل توافق على هذا التوصيف؟
العلاقات بين تونس والجزائر، يسودها الاتفاق والوئام والدفع إلى الإمام، وعني شخصيا لم ألاحظ أي انتكاسة او تردد أو تساهل من شأنه أن ينغص متانة العلاقات القائمة بين البلدين الشقيقين.
ما لاحظته أن وسائل الإعلام تتحدث عن فتور، وتٌقدم بعض التساؤلات التي بنت عليها قناعتها بوجود حالة فتور أو لا وفاق بين البلدين، لكن في واقع الحال ومن خلال الاتصالات التي جمعتني بمسؤولين في الحكومة التونسية، والأصدقاء في تونس أكد الطرفان أن العلاقات جيدة ومتينة، والتعاون بينهما يتسع ويقوى.
الحديث عن توتر العلاقات ارتبط بالاتفاقية الموقعة بين تونس وواشنطن، ورغبة هذه الأخيرة في إقامة قاعدة عسكرية هنالك؟
اسمح لي أن أبدا بالجزء الثاني من السؤال، وأؤكد بشأنه انه لم يٌطرح أبدا على الحكومة التونسية إقامة قاعدة عسكرية، هذا الأمر لم يطرح علينا في تونس عندما كنت رئيسا للحكومة، ولم يطرح قبلي ولا في الحكومتين اللتين أتيتا بعدي وهما بقيادة السيدين مهدي جمعة والحبيب الصيد.
الحكومات التونسية كلها نفت المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام فقط، تونس ليست بحاجة إلى إقامة قاعدة عسكرية أجنبية، وببساطة تونس ترفض إقامة قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها.
ما يتم الحديث فيه غير موجود تماما، هنالك مجرد تحاليل وإعلام وهي أخبار خاطئة، والتحاليل التي استنجت وجود إمكانية لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية هي احتمالات خاطئة.
أما عن الاتفاقية الموقعة بين تونس وأمريكا، هي وثيقة تنص على التعاون بين البلدين، في تونس لا يمكن أن ندخل في محاور عسكرية، أو نكون محل قلق أو تساؤلات لدى الأشقاء، لأن أمننا مشترك، والمسائل الأمنية المشتركة مع الجزائر هي الأساس.
أولا تعد الزيارات التي تمت بين مسؤولي البلدين مؤشرا على تدهور العلاقات؟
الزيارات التي تمت بين مسؤولي البلدين في الفترة الأخيرة، كما الحال مع زيارة الأخ رمطان لعمامرة، وقبلها مبعوث الرئيس الباجي إلى نظيره الرئيس بوتفليقة، هي زيارات عادية وتتعلق بالتوضيح والتشاور، لأن السياسة الخارجية وفي كثير من القضايا تستلزم تقريب المواقف بين دول المغرب العربي، ولهذا ترى التشاور يتم بين المسؤولين التونسيين ونظرائهم في الجزائر والمغرب، هذا الأمر يتم كما قلت للوصول إلى مواقف متقاربة بينها.
كنت رئيسا للحكومة موصوفة بالإسلامية، الكثير يرى أن الجزائر كانت حذرة لدرجة التخوف منكم، ما يفسره إحجامها عن تقديم المساعدات المالية لكم خلال فترة حكومة الجبالي وخلال قيادتك لها، ثم أفرجت الجزائر عن حزمة مساعدات مالية لحكومة مهدي جمعة،، ما صحة هذا الأمر؟
هذا الكلام تم تداوله بشكل كبير، وللحقيقة والأمانة، الجزائر ساعدت كل الحكومات في تونس بعد الثورة، ولم يكن أي فرق في التعاون المالي، وهذا من حكومة فؤاد المبزع ثم السبسي، وبعدها حكومة الترويكا التي تولاها الأستاذ حمادي الجبالي والحكومة التي قدتها، وبعدي السيد مهدي جمعة.
الجزائر الشقيقة بعد الثورة التونسية، بقيت تنظر إلى تونس حتى تتضح نوعية النظام، وهذا أمر طبيعي، فعند حصول تغييرات سياسية، فإن الدول كلها وخاصة الدولة القريبة ترقب ماذا سيحصل ومن سيحكم، وهل يمثل النظام الجديد استقرارا، والذي حصل أن العلاقات كانت وبقيت جيدة، نحن التزمنا بالمواثيق، وبعد أشهر من الثورة بدأت العلاقات وازدادت لما اطمأن كل طرف إلى الآخر، لأن تونس عبرت عن التزاماتها المبرمة بين البلدين، ونحن نحترم الجزائر التي نعتبرها الشقيقة الكبرى، كما وجب التأكيد أن الثورة التونسية هي ثورة داخلية محضة.
الكثير من اللغط صاحب محاكمة رئيس وزراء القذافي، المحمودي البغدادي، التي جرت قبل أيام، خاصة مدى قانونية تسليمه إلى السلطات الليبية، لو تضعنا في صورة ما حصل وكنت حينها وزيرا للداخلية؟
مسألة تسليم البغدادي، تمت بين حكومتين، وبين مؤسسات الدولة في ليبيا، حينها كانت حكومة واحدة ونظام واضح، وفي تونس كان هنالك برلمان ورئيس ورئيس حكومة، قرار التسليم تم وفق مبادئ المؤسسات التونسية، القرار تم تدارسه في مجلس الوزراء وأحيل الموضوع على القضاء، وكان رأي الحكومة والقضاء ترحيل المعني، مع التزام الطرف الليبي بعدد من الالتزامات القانونية لا سيما مسالة حقوق الإنسان وضمان محاكمة نزيهة له.
لما نتحدث عن تسلي البغدادي إلى ليبيا، يجب إبعاد الموضوع عن التجاذبات السياسية، لأن المسائل الخارجية والعسكرية ليس من المسائل التي يتحدث فيها الجميع، هنالك اتفاقيات بين البلدين، وهنالك ارتباطات أمنية، ولكل سلطة تقديم مصالح بلدها، في إطار احترام حقوق الإنسان.
على ذكر ليبيا، هنالك مساع من بعض الأطراف لتنفيذ عمل عسكري خارجي تحت ذريعة محاربة الإرهاب، هل هو الحل الأصلح؟
لاشك أن الوضع الأمني في اضطراب كبير، وتأثيراته ليس على ليبيا وحسب، بل على المنطقة، ولهذا الأمر سعينا وشجعنا الأشقاء في ليبيا على التفاهم على الحد الأدنى، ثم الوصول إلى الأهم وهو بناء إطار الدولة، وبعد هذا التفرغ إلى القضايا الاقتصادية والأمنية.
فقد دعمنا الأمم المتحدة، والمبادرة الجزائرية، والتي في اعتقادي قطعت أشواطا معتبرة، بالمقبل أرى أن التدخلات العسكرية يسهل البدأ بها، لكن يصعب إنهاؤها، والحلول الأمنية لا يجب استسهالها خاصة عندما يكون الحوار مثمرا.
أزيد من نصف سنة على وصول قيادة جديدة لتونس، في الرئاسة في الحكومة في البرلمان، كيف يمكن تقييم الوضع في تونس حاليا؟
لا يمكن النظر إلى ما تحقق في تونس، إلا في إطار الثورة، ما تمر به المرحلة والمنطقة من اضطرابات وغياب الاستقرار يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
أربع سنوات ونصف من الثورة التونسية، وجدنا خلاله الإطار السياسي للدولة، هنالك انتخابات تتم لا أحد يطعن في نزاهتها، وهنالك دستور توافقي لا أحد يعترض عليه، وهذا مكسب كبير تحقق، لأنها كانت الأرضية والركيزة للقضايا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى نعرف المكسب السياسي الذي تحقق علينا أن نقارنه مع ما جرى في دول أخرى، التي عجزت عن الاتفاق على الإطار السياسي، وبالتالي عجزها عن معالجة القضايا الأخرى.
نحن في تونس أنجزنا الانتقال السياسي وتبقى التحديات الأمنية والاقتصادية، ونعمل الآن على إنجاز ما هو مطلوب في المجالين السابقين، خاصة في الجانب الأمني.
حزمة إجراءات اتخذتها الحكومة بعد اعتداء سوسة الإرهابي منتصف جوان، أنتم في حركة النهضة زكيتم الإجراءات، التي رأى فيها الكثير أنها تميزت بالتضييق على الحريات الفردية والجماعية، هل يعني تخلي النهضة عن بعض قناعاتها التي ناضلت من أجلها لعقود؟
كما تعلم الجمع بين الحرية والديمقراطية والأمن ومكافحة الإرهاب، معادلة ليست بالسهلة، الجمع بين ما ذكرت ليس معادلة واحدة يتم التوافق عليها، ولكن مجموعة معادلات، ولكل طرف نظرته إليها، فهنالك من يخشى أن نكون متشددين، والآخر يخشى أن نكون متساهلين، لكن المؤكد أننا على طريق الديموقراطية وحقوق الإنسان، ونحن في حرب على الإرهاب الذي يجب أن يكون فوق الجدل، وعلى الأطراف كلها الانخراط في هذا المسعى وأن يكون متفهما كذلك، فإذا زاد الأمر عن بعض الجزئيات فهي ظرفية لا غير وسيتم تجاوزها.
منذ تأسيس الحركة والشيخ راشد متزعما، أما آن له أن يترجل ليفسح المجال للجيل الشاب؟
أقولها وبكل صراحة وثقة، الشيخ راشد لا يزال في أوج عطائه السياسي والفكري والتربوي، ولا يزال يؤدي مهامه على أكمل وجه، ولا يزال زعيما في البلاد ورئيسا للحركة.
نعم في الحركة قيادات متمكنة في حال ما أراد المؤتمر تغيير رئيس الحركة، لأنه صاحب الكلمة في هذه المسألة، أو في حال أراد الشيخ الانسحاب وعدم الاستمرار، والاحتمالات تبقى مفتوحة، والمؤتمر الذي سيعقد قبل نهاية السنة سيكون فيه الفصل.