تسعى الجزائر إلى إنقاذ اتفاق السلام الموقع بين أطراف النزاع في مالي، من خلال شروعها في ربط اتصالات مع ممثلين عن جماعات الطوارق ومسؤولين في الحكومة، بهدف تفادي توتر الوضع أكثر وتأزمه، بما يهدد بالنسف التام لاتفاق السلام، الذي لعبت الجزائر فيه دور الوسيط.
حتى تمكنت من إقناع كل الأطراف بالتوقيع على اتفاق السلام، لكن الاضطرابات سرعان ما عادت إلى شمال مالي. وزيارة الرئيس المالي ابراهيم بوبكر كيتا الجزائر بدعوة من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بدأت يوم 30 أغسطس الجاري حتى يوم غد 1 سبتمبر القادم. وتهدف الزيارة إلى التشاور حول كيفية تنفيذ اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة المالية حماية لأمن الجيران والمنطقة عموما من تبعات استشراء العنف بمالي. ويقدر الملاحظون أن هذه الزيارة ستكون بهدف الضغط على الجارة المالية لتقديم خيارات عملية أكثر وتكون كفيلة بوقف الاقتتال الداخلي في مالي، ولدفع الرئيس كيتا إلى الحد من عمليات المليشيات الموالية له والتي تساهم إلى حد ما في تفجير الوضع في كل مناسبة مع الطوارق.
ونص الاتفاق الذي تم توقيعه في باماكو ورعته الجزائر لمدة قاربت السنة رسميا، بالإضافة إلى فترة طويلة من الاتصالات السرية، على إنشاء مجالس محلية بصلاحيات واسعة ومنتخبة بالاقتراع العام والمباشر، وعلى ضم الأجهزة الأمنية في البلاد لأعداد كبيرة من الطوارق. ولم يمنح الاتفاق الاستقلال الذاتي أو نظاما فيدراليا لشمال المالي كما كان يطالب بذلك الطوارق. كما أن الاتفاق لم يلبّ مطلب "التنسيقية" الأساسي بالاعتراف بتسمية “أزواد” التي يطلقها الطوارق على منطقة الشمال. لكن الحكومة المركزية التزمت باحترام التنوع العرقي والثقافي لمنطقة الشمال وخصوصياتها الجغرافية والاجتماعية. وتواجه الحدود الجزائرية مخاطر تفاقم عملية تسلل المجموعات الإرهابية القادمة من مالي إلى مناطقها في حال تواصل العنف الداخلي بين الطرفين؛ لذلك يرى المحللون أن الجزائر التي تعيش على وقع تهديدات إرهابية متفرقة من الداخل والخارج لا سيما على الشريطين الحدوديين مع تونس وليبيا، لن تسمح بفتح بؤرة إرهاب جديدة من جهة مالي التي تدرك جيدا أن استفحال العنف فيها يشكل تهديدا أكبر من الذي تشكله كل من تونس وليبيا.
ويضيفون أن المجموعات المتطرفة التي تترصد لا فقط بالجزائر، بل ودول الجوار المغاربي أيضا، كثيرة ومتنوعة على غرار تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وجند الخلافة في أرض الجزائر المنشق عن القاعدة في المغرب الإسلامي، والموقعون وغيرها من التنظيمات المتمركزة في الداخل أو في الجوار. وكانت مليشيات الأزواد "الطوارق" وجماعات غاتيا، الموالية للحكومة المالية، خرقت اتفاق السلام بعد تبادلها لإطلاق النار الخفيف والثقيل في منطقة أماسين جنوبي مدينة كيدال، في أقصى الشمال الشرقي، معقل قيادة تنسيقية أزواد، مع تواصل المناوشات بين الجانبين بين الحين والآخر. وفي الأثناء يلوح الطرفان بتمسكهما بخيار السلام كحل بديل ودائم، ولكن دون أن يتم التوقف عن التقاتل بينهما. وسقط شمال مالي، في مارس من العام 2012، تحت سيطرة التنظيمات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي طردت الجيش المالي بسرعة كبيرة وأقرت الحكم بالشريعة الإسلامية في كبرى مدن الشمال، خصوصا في تومبوكتو. وتصاعدت المخاوف الدولية من تحوّل شمال مالي إلى قاعدة قوية للتنظيمات الجهادية تهدد دول منطقة الساحل، من ليبيا إلى الجزائر مرورا بموريتانيا والنيجر ونيجيريا. ما دفع بفرنسا إلى التدخل العاجل وإطلاق عملية "سرفال" بدعم من الأمم المتحدة، وهي العملية التي نجحت إلى حد كبير في إبعاد التنظيمات الجهادية عن الشمال وتشتيت شملها. إلا أن الخلايا الجهادية لا تزال تنشط في المنطقة وتقوم بعمليات عسكرية من حين لآخر على الرغم من أن القوات الفرنسية نجحت في اغتيال عدد من القيادات الجهادية البارزة عبر عمليات نوعية للقوات الخاصة والطائرات من دون طيار.