"في حال حسن بجد الحسن (...) بالصبر الجميل والجهد الحسن (...) فتعال حسن وبادر حسن"، على نغمة هذه الكلمات اتحد الإنشاد الصوفي بالأغنية السياسية في خلطة عجيبة من السياسة والتصوف.
ووهب على أنغامها شيخ الطريقة السمانية الطيبية القريبية الحسنية محمد حسن الفاتح قريب الله مريديه وأتباعه -الذين قال إن "معدنهم من ذهب"- للرئيس السوداني ومرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم عمر حسن البشير.
في هذا الجو الاحتفالي كرمت الطريقة السمانية الرئيس عمر حسن البشير ردا لجميله، إذ كان كرم والد الشيخ الحالي قبل سبع سنوات، وقلده قلادة من ذهب على جهوده في خدمة السودان، كما يفهم من كلمة الرئيس.
وكرر الرئيس المرشح وشيخ الطريقة رقصتهما مع الأتباع ثلاثا على أنغام الأغنية، ولوح الجميع بالعصي والسيوف في الهواء، وكأنهم يهددون عدوا بعيدا أو يقاتلون آخر قريبا.
سندوسهم
وبعد لغة الإشارة جاءت لغة التصريح، وأعلن الرئيس المرشح أنه "سيدوس" العدو البعيد في واشنطن ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، والآخر القريب في السودان المتمثل في المنافسين السياسيين وحركات التمرد.
وأثنى الرئيس على دور الطرق الصوفية في بناء الوطن، وأشار إلى عناية الدولة بها، وامتدح عمل الطريقة السمانية خاصة بصمت، وكأن طرقا أخرى تعمل في غير صمت، ربما في إشارة إلى المعارضة الصوفية المتمثلة في الختمية والأنصار حليفيْ حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب الأمة القومي.
وفي المقابل عبر الشيخ الصوفي عن دعمهم لسياسة الرئيس وعبر عن عرفانهم له بالجميل، وكأن المناسبة لا تعدو تكريم الرئيس مكافأة له على تكريمه لوالد شيخ الطريقة السمانية، وبقيت الانتخابات في دائرة المسكوت عنه.
ووهب الشيخ -باسم مشايخ الصوفية دون تخصيص- مريديهم للرئيس اعترافا بجميله، وقدم له بالنيابة عنهم السبحة الصوفية الرمزية مع دروع وزي صوفي خلعه عليه، لتحمل لغة الإشارة دلالات الولاء، دون أن يصرح الشيخ الصوفي ولا الرئيس باندراج الحفل في سياق الحملة الانتخابية.
واكتفى الجميع بلحظة الاتصال التي تماهى فيها حسن الصوفي بحسن السياسي على أنغام "في حال حسن بجد الحسن (...) بالصبر الجميل والجهد الحسن (...) فتعال حسن وبادر حسن" التي صدحت بها آلاف الحناجر في لحظة حماس عارمة.
وغابت الإشارة في كلمات الحضور إلى رجل كان ظاهر الحضور يعلن زيه الأسود وصليبه الذي يزين صدره أنه ممثل الطائفة القبطية في السودان، فلم يدر أحد هل دخل من باب السياسة أم من باب التصوف.
وخرج الرئيس ضمنا بأصوات كثيرة من هذا الحفل، كما تفرق المشايخ على وعد مبهم، أما العامة فراحوا يتدافعون بحثا عن مخرج من المكان الضيق ليعود كل منهم إلى واقعه.
تاريخ من التواصل
وليس هذا التواصل بين السياسة والتصوف غريبا على السودان كما يقول المحلل السياسي خالد التيجاني، معللا ذلك بأن السودان "لم يفتح بالسيف، وإنما بالتجارة والتصوف"، وبأن كل السودانيين ينتمون بطريقة أو بأخرى إلى طريقة صوفية.
والدليل على ذلك بالنسبة للتيجاني –الذي لم ينكر الانتماء الصوفي لاسمه- بديهي يلخصه تاريخ الأحزاب السياسية التي كان أكبرها على مر تاريخ السودان حزبا الأمة القومي والاتحاد الديمقراطي اللذان يتكئان على حركات صوفية متجذرة في السودان ومهيمنة عليه.
ويقول التيجاني للجزيرة نت، إن السياسة والتصوف في السودان لا ينفصلان، وإن ما كان يتوقعه كثير من المحللين السياسيين من ضعف يصيب "الصوفية السياسية" مع الزمن وتطور البلد، بدا غير صحيح عندما اكتسح حزب الأمة أول انتخابات بعد الحكم العسكري، وهو يرجح أن الأمر لم يتغير كثيرا.
تأثير
وقال التيجاني إن الطرق الصوفية لا تزال قوية التأثير، مقدما على ذلك دليلا بالحشود التي تلقت زعيم الختمية في كسلا بشرق السودان، مع اعترافه بأن حركات التمرد في غرب السودان ربما تكون قد أضعفت كثيرا دور حركة الأنصار.
وليس بعيدا من هذا الرأي، يرى الباحث والمحلل السياسي حسن مكي أن الصوفية لا تزال فاعلة في موضوع الانتخابات السودانية، وخصوصا على مستوى رئاسة الجمهورية.
ولكنه يراها ضعيفة على مستوى الدوائر الجغرافية بعيدة من الإجماع ومنشقة، وإن كانت تحافظ على نوع من الحضور.