اللافت في التغييرات التي هبت مؤخرا على المؤسسة العسكرية والتي شملت مديريات مفصلية ومحورية ضمن مؤسسة الجيش الوطني الشعبي أنها حملت لون الإصلاح والعصرنة ومذاق التشبيب، الأمر الذي يعد بمثابة الفرصة للمعينين الجدد على رأس هذه المديريات بداية من مديرية الأمن والإستخبارات التي تسلمها اللواء طرطاڤ، مرورا بقيادة الدرك الوطني التي تسلمها الجنرال مناد، وصولا إلى مديرية الحماية والأمن الرئاسي التي أوكلت مهمة تسييرها إلى العقيد ناصر حبشي الذي يبدو أنه الأصغر سنا بين الأسماء الجديدة.
ففي عملية مسح بسيطة عند التغييرات والأسماء المبعدة والتعيينات الجديدة نجد أن عامل التشبيب لم يغب هذه المرة نسبيا، وإن ذهبت القراءات وتضاربت بخصوص أسباب وأبعاد التغيرات التي لحقت مصلحة "الدياراس" والحرس الجمهوري والأمن الرئاسي والدرك ومصلحة الأمن الداخلي أو ما يعرف بمديرية مكافحة الجوسسة، والتي شدت إليها الرأي العام طيلة هذه الصائفة، وبين فرضية الإصلاح والعصرنة وصراع الأجنحة ضمن هرم السلطة، انتصرت هذه المرة الظروف والمعطيات لصالح إطارات شابة، جاءت فرصتها في إثبات قدرتها وكفاءتها على التسيير بعد أن ظلت هذه الكفاءات لفترة توقع قرارات تقاعدها من قبل نفس المسؤولين الذين وقعوا قرارات تعييناتهم.
بعيدا عن القراءات السياسية لقرارات الإبعاد والتعيينات، نجد أن الفريق توفيق يغادر منصبه على رأس جهاز الإستخبارات عند سن 78 سنة، ويخلفه إطار من نفس المديرية من مواليد 1950، نفس الأمر بالنسبة للفريق أحمد بوسطيلة قائد سلاح الدرك يغادر منصبه وهو في سن 71 سنة على اعتبار أنه من مواليد سنة 1944 في حين تم استخلافه باللواء نوبة مناد من مواليد الخمسينات.
وفي نفس السياق وضمن التغيرات المعلنة، كانت عائلة مدير الحماية والأمن الرئاسي السابق جمال مجذوب أكدت في رسالتها التي احتجت فيها على القراءات الإعلامية التي صاحبت قرار الرئيس بوتفليقة إبعاد والدها واستهجنت ربطها بإخلال في الأداء، قالت إن عمر الوالد المهني يتجاوز الـ40 سنة، فيما لا يتجاوز سن خليفته الذي أوكل مهامه وهو أحد إطارات هذا الجهاز، الذي تلقى تكوينه، العقيد ناصر حبشي الـ50 من العمر، أي أن عمر هذا الأخير يكاد يساوي العمر المهني لسابقه في المنصب، كما أن العميد عبد العزيز الذي خلف اللواء بن داود على رأس مديرية مكافحة الجوسسة والأمن الداخلي من مواليد الخمسينات كذلك.
عامل التشبيب والعصرنة، وأيا كانت مسبباته والمعطيات السياسية أو الأمنية التي فرضته، يبقى عاملا إيجابيا وفرصة مواتية بالنسبة للإطارات الشابة المعنية لتأكيد القدرة في التسيير وإصلاح الأمور، كون الطبيعة تنزع إلى التجديد وغالبا ما تشكل عمليات ضخ دماء جديدة آلية للوصول إلى الأفضل وتحقيق الأحسن، فهل تعتبر التعيينات الجديدة بمثابة إيفاء الرئيس بأحد تعهداته الرئاسية المتعلقة بتسليم المشعل للشباب.