«استحق العناء، حياة بين الدبلوماسيين والجواسيس» كتاب صدر هذه الأيام في إسبانيا ويحمل توقيع مدير المخابرات السابق خورخي ديسكايار، يكشف فيه عن الكثير من المعطيات، ومنها رغبة رئيس الحكومة السابق خوسيه ماريا أثنار تحميل منظمة «إيتا» الباسكية مسؤولية تفجيرات 11 آذار/ مارس، والتأكيد أن الملك محمد السادس هو الذي اتخذ قرار الدخول إلى جزيرة ثورة متسببا صيف 2002 في أسوأ أزمة بين الرباط ومدريد.
ولم يسبق لأي مدير مخابرات سابق في إسبانيا أن أصدر كتابا يحكي فيه عمله في هذا الجهاز، ولكن الكتاب ورغم صفحاته التي تقارب 480 لا يكشف عن الكثير من الأسرار بل يغلب عليه الطابع الدبلوماسي وسرد وقائع في السياسة الخارجية أكثر بكثير من عالم المخابرات. فخورخي ديسكايار تولى منصب مدير المخابرات ما بين 2000 إلى 2004 بينما عمله الدبلوماسي يمتد على مدى أربعة عقود. وكان أول مدير مدني يتولى هذا الجهاز المرتبط بوزارة الدفاع وقتها.
ومن أهم المحاور الواردة في الكتاب، التفجيرات الإرهابية في 11 آذار / مارس 2004 التي خلفت مقتل 191 شخصا وجرح قرابة ألف شخص، وكان وقتها في منصب مدير المخابرات. ويكتب كيف شكلت هذه الضربة مفاجأة لهم لم يكونوا ينتظرونها، واعتبر أن خبراء المركز الذي كان يديره كانوا يعتقدون في تعرض مصالح إسبانيا لضربة ما في الخارج.
ويسرد الكثير من الأسباب التي يربطها بالإرهاب الدولي ومشاركة إسبانيا في المراحل اللاحقة لسقوط الرئيس المغتال صدام حسين في الوجود العسكري في العراق. ومن ضمن ما يأتي به من جديد نسبيا هو تهميش حكومة أثنار للمخابرات في التحقيق حول مرتكبي هذه الجريمة الإرهابية، ثم محاولة رئيس الحكومة وقتها تحميل منظمة «إيتا» وليس «القاعدة» لأسباب انتخابية محضة.
وينتقد الكاتب أثنار كثيرا، متهما إياه بمحاولة التوظيف السياسي للمخابرات في أجندته الانتخابية، وكذلك تهميش الجهاز لما أخبره بعدم وجود أسلحة نووية وكيميائية لدى نظام صدام حسين. وخصص ديسكايار فصلا كاملا للمغرب، فهذا البلد من أهم الملفات التي تعمل عليها المخابرات الإسبانية منذ زمن طويل بسبب النزاعات وسوء الفهم الذي يؤدي عادة إلى أزمات خطيرة. وفي الفصل المخصص للمغرب، يتوقف كثيرا عند أزمة جزيرة ثورة صيف 2002 والتي كادت أن تؤدي بالبلدين إلى واجهة عسكرية. وجزيرة ثورة وتعرف كذلك باسم «ليلى» تقع على بعد أقل من مئة متر عن الشاطئ المغربي المطل على مضيق جبل طارق، دخلت إليها قوات مغربية في بداية تموز/ يوليو وقامت إسبانيا بغزو الجزيرة في عملية أشبه بالحرب.
في هذا الصدد يكتب «على ما يبدو قرار غزو الجزيرة اتخذه الملك محمد السادس في إقامته في المضيق (إقليم تطوان شمال المغرب) رفقة مجموعة صغيرة من معاونيه في أعقاب زيارة فرقاطة إسبانية صخرة الحسيمة، مما اعتبره تحديا يتطلب الرد». وينفي علم الحكومة المغربية والجيش المغربي بالقرار بل حتى المخابرات المغربية لم تكن على علم بالقرار. ويعرب عن تعجبه في الكتاب من اتخاذ المغرب هذا القرار وكأنهم لا يفهمون جيدا الإسبان والرد الذي قد يحدث لاحقا.
ويصف هذه الأزمة بالأسوأ التي شهدتها العلاقات المغربية ـ الإسبانية، ولا يحمل المغرب وحده المسؤولية بل كذلك رئيس الحكومة أثنار لأنه لم يكن يفهم جيدا التعاطي والتعامل مع السلطات المغربية عكس سلفه في المنصب فيليبي غونثالث.