عقب سقوط “معمر القذافي” عام 2011، دخلت ليبيا في دوامة من الفوضى والفراغ الأمني تسببت في ظهور عشرات التشكيلات المسلحة والعصابات التي استفادت من الأوضاع لتوسيع تجارتها غير الشرعية من تهريب الأدوية والبضائع والسلاح وحتى البشر، ولم تختلف الأوضاع داخل مدينة زوارة التي كون أهلها فرق “المقنعون” لتتبع والقبض على المهربين والجريمة بالمدينة.
كانت مدينة زوارة الليبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط لعشرات السنين ممرا للتهريب بين قارتي أفريقيا وأورووبا، ولكن في صبيحة يوم من شهر أغسطس الماضي، استيقظت المدينة على جريمة ارتكبها مهربون محليون بحق آخر، وبحسب صحيفة” وول ستريت” الأمريكية، غرق في ذلك الصباح 183 مهاجرا بالقرب من شواطئ المدينة، وأدى الحادث لانطلاق عملية تطوعية واسعة للتعرف على الضحايا، ولإنقاذ مئات آخرين سقطوا في مياه البحر، كما دفعت الحادثة مجموعة من المتطوعين من سكان زوارة للتحول إلى رجال شرطة بعد أن حاولوا طويلا دفع النخبة هناك لوقف سيطرة المهربين على المدينة.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن المليشيات الليبية تزيد من تعقيد أزمة المهاجرين واللاجئين، حيث تسمح بمرورهم من خلال قوارب الصيد المتهالكة، مما يزيد من عدد الضحايا على الشواطئ، وسيزيد من عددهم مستقبلا.
وتضيف الصحيفة أن واحدة من أشهر عواصم التهريب في العالم، شهدت كارثة للمهاجرين في 27 أغسطس الماضي، حيث وجد الباحثون ملابس صغيرة للرضع متناثرة على الشاطئ.
وتشير الصحيفة إلى أن منطقة “زوارة” كانت منذ سنوات نقطة يستغلها المهربيين اللبيبيين، وأحد مراكز المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا وسوريا، والمدن الليبية الشمالية، حيث ركوب الزوارق للفرار من الفقر المدقع في بلدانهم والحرب، ولكن الآن تشهد المدينة كارثة إنسانية كبرى.
وتوضح الصحيفة الأمريكية أن أكثر من 600 ألف شخص حاولوا الهجرة من خلال شواطئ زوارة هذا العام، أي أكثر من ضعف العدد مقارنة بعام 2014، مشيرة إلى أن المهاجرين يلجأون ايضا إلى اليونان والبلقان، ولكن زوارة لا تزال هي النقطة الأكبر للمهاجرين، وسط الاستفادة من انهيار الدولة منذ الإطاحة بالزعيم الليبي “معمر لقذافي”.
وتلفت الصحيفة إلى أن المسؤولين الأوروبيين عقدوا اجتماعا لمحاولة الحد من التدفق المتواصل للمهاجرين، وقد ناقشوا استهداف المهربين بالطائرات الهليكوبتر، والسفن الحربية في البحر المتوسط، موضحة أن الليبيين بدأوا الاحتجاج ضد تهريب البشر، وقامت فرق “المقنعون” بدور رجال الشرطة، وعملوا على الضغط على العائلات الرئيسة بالمدينة لاختراق شبكات المهربين، ومع تكرار غرق المهاجرين، اتفق مجلس المدينة المحلي والعائلات على قطع العلاقات القبلية والعائلية التي سبق ووفرت حماية لمهربي البشر.
إن محاولة مدينة زوارة القضاء على مافيات تهريب البشر تظهر مدى صعوبة إغلاق سوق سوداء تتغذى على أموال مهاجرين يحاولون الهروب من حرب أهلية، أو تأمين حياة أفضل في أوروبا، وتسلط تلك العملية الضوء على كيفية سعي الليبيين لملء فراغ أمني نتج عن الإطاحة بالقذافي، فقد أدى التناحر بين حكومتين ليبيتين لفشل محاولات تشكيل قوة حرس سواحل فاعلة، أو شرطة وطنية قادرة على حراسة شواطئ ليبيا التي يزيد طولها عن 1600 كم.
وبحسب مسؤولين أمميين وليبيين، وقعت نسبة كبيرة من تلك الوفيات بسبب غرق سفن كانت تبحر بالقرب من زوارة، وتعرف تلك المنطقة بأنها مركز ومعبر طرق لتهريب مهاجرين ونفط رخيص إلى أوروبا، وكذلك جلب كحول وسجائر من أوروبا إلى شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء الأفريقية.