يعود ابن عم العقيد معمر القذافي، أحمد قذاف الدم، في هذا الحوار، الذي خصّ به "الشروق"، في الذكرى الرابعة لرحيل العقيد، إلى آخر لحظات مقتله. ويؤكد أن من تولى توقيفه وحدة خاصة من الناتو، سلمته إلى من سماهم "العصابات". ويقدم قذاف الدم، المقيم بمصر، الذي يعدّ واحدا من أقرب مقربي معمر، ما يعتبره "وجها إنسانيا بسيطا مغايرا للحاكم العربي".
لا تزال ملابسات وفاة العقيد يكتنفها الكثير من اللبس، هل حقا قُتل وفق الطريقة التي تم تقديمها في مشاهد الفيديو المنتشرة، أم إن هنالك سيناريو آخر؟
اليوم وبعد أن سقط القناع، وظهرت حقائق كثيرة عن المؤامرة الكبرى على الأمة كلها وليس فقط على ليبيا، نؤكد أن هجوم الحلف الأطلسي على ليبيا جرى بأربعة أساطيل و30 ألف غارة وسبعة عشر قمرا اصطناعيا وعشرات الطائرات من دون طيار ومشاركة الإسرائيليين في الاستطلاع الجوي. ويعرف العسكريون أن هذه الحملة هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وبأحدث الصواريخ الليزرية والذكية وتواكبها حرب نفسية استخدمت فيها كل وسائل التدمير غير الأخلاقية من محطات ووسائل التواصل... وللأسف شاركت فيها دولٌ عربية.
لم يعُد خافياً أن هذه الأمة مستهدفة من العراق وحتى طنجة مرورا بدمشق وصنعاء وطرابلس.
وقد اعترف محمود جبريل، في لقاء مع "سي أن أن"، بأن مقتل القذافي تم بواسطة عملاء دولة أجنبية، وقد أكد ذلك الرئيس بوتين بأن الغرب هو الذي قصف مركبة القذافي، وأن كوماندوس الحلف الأطلسي نزلوا على الأرض مستخدمين قنابل الغاز ونقلوه وبعض رفاقه، مغشيا عليهم.
تم الاتصال بهذه العصابات لتلتقطهم ولترسم هذا المشهد، لكي يحبطوا الروح القتالية لأنصار ثورة الفاتح وقتل روح الزعيم في عيون الجماهير التي كانت تخرج كل يوم بالملايين في المدن الليبية تحت القصف وتتحدى العدوان، وصمدت في ملحمة بطولية ثمانية شهور ضد هذا الحلف الصليبي اللعين، ولعل العالم يذكر هذا المشهد الذي قدّموا فيه الشهيد صدام حسين يتكرر، مع أن الحقيقة أن الشهيد صدام حسين قُبض عليه قبل الإعلان عن ذلك بثلاثة أشهر ونُقل للتحقيق في حاملة طائرات أمريكية، وبعدها نشروا هذه الأخبار الملفقة لتحطيم الروح المعنوية للمقاومة العراقية.
هل تعتقد أن من قام بتصوير تلك المشاهد أراد تقديم صورة سلبية عنه، أو بالأحرى تشويه الصورة التي ارتسمت لدى العامة عن القذافي؟
هذه هي الحقيقة، لقد شاهد العالم القذافي جريحاً وفاقداً للوعي هو ومن معه، وقد تم إعدام 70 مقاتلاً وهم في حالة إغماء في المكان نفسه، وقد وثق الصحفيون هذه الواقعة وتمّ تحويلها إلى الجنائية الدولية.
شخصٌ وصل إلى الحكم عبر انقلاب، وبقي في الحكم 42 سنة، ومسك البلاد بالنار والحديد، أليس هذا حاكما مستبدا دكتاتوريا في نظركم؟
إن ما حدث في صبح الفاتح ليس انقلاباً، بل هذه ثورة شعب قادها معمر القذافي الذي أعدّ لها عشر سنوات تحت الأرض، وعندما التحق بعض زملائه بالجيش وجدوا أن المواجهة مع النظام تحكمها خمس قواعد أمريكية غرب البلاد، وثلاث قواعد بريطانية في شرقها، وتتربع فرنسا على جنوب ليبيا.
لقد كانت ليبيا من الناحية العملية تحت الاحتلال، وكان الاستقلال صوريا، وعندما نقول ثورة الفاتح؛ فلأن الخلايا المدنية فيها هي الأساس، ولعل زحف الجماهير في فجر الفاتح سبتمبر عام 1969 هو الذي جعلها بيضاء فلم يسقط أي قتيل فيها. ولذلك أُسقط في يد النظام العميل أن يستعين بالقواعد الأجنبية لحمايته وكل ذلك موثق ومعروف.
العقيد لو كان ديكتاتوراً لما استمر النظام طوال هذه السنوات كأكثر البلدان أمناً واستقراراً، لأن القذافي أقام سلطة الشعب (سلطة كل الناس)؛ نظام جماهيري يقوم على المؤتمرات الشعبية في كل قرية وفي كل شارع، أي البرلمان في كل حي، أصبحت الحصانة النيابية لكل مواطن بلغ سن الرشد، إنه نظام الشورى، أي دولة ما بعد الجمهور وهو سماها جماهيرية، دولة الشركاء، فلا سيد ولا مسود، بل إخوة أحرار، ولذلك ما كان ليسقط لولا هذا العدوان للدول الاستعمارية التي طردها القذافي فعادت لتنتقم وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ولعله آخر الزعماء الذين يتجولون وسط الناس ويقود سيارته بنفسه، وينقل حواراته مع الناس مباشرة في الإذاعة المرئية.. ويجاهر بالقول في مواجهة الأعداء.
ولعل وقوف الشعب معه لمدة ثمانية أشهر من المقاومة ضد أعتى القوى على الأرض دليل آخر.. فكيف تدافع الجماهير عن ديكتاتور؟!
ما زلت إلى حد الساعة ترى في انتفاضة الليبيين على حكم القذافي مؤامرة، ألا يعكس هذا منك شخصيا تشبّثا بالمنافع والامتيازات والجاه الذي كنتم تمتلكونه؟
من حق الليبيين أن يثوروا، ومن حقهم أن يُسقطوا النظام، ولم يكن حكم القذافي من الملائكة، ولكن هناك فرقاً بين وجهة النظر والخيانة وموالاة الأجنبي في كل قوانين الأرض، والخيانة ليست وجهة نظر.
وهذا ما نحتج عليه وندينه، بل لقد تحدّثت في أكثر من مناسبة، وعلى الملإ، بأن جيلاً جديداً يحمل أحلاماً غير أحلامنا، ولديه طموحات ومن حقه أن يحتج ويثور، أما ما حدث في ليبيا وبعد كل هذه الاعترافات التي شاهدناها من قيادات الغرب وهذه الواجهات التي تتصدر المشهد في ليبيا وجميعها تربّت في أحضانه، وهم من ساق ليبيا في هذه السنوات الأربع العجاف من نهب وقتل وسلب ودمار وعمالة وتشريد، يشرح حقيقة ما حدث لكل ذي بصيرة.
ولعل كل الشبان الذين انساقوا خلف هؤلاء عادوا اليوم ليترحموا على القذافي ويلعنوا هذه الدمى التي قادت المشهد عبر الفضائيات، واكتشفت أن الغرب جاء لقتل الزعيم ويدمّر القوات المسلحة، واختفت دموع التماسيح، ثم اختفى أصدقاء ليبيا، لم نعد نسمع شيئاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورغم أن المشهد أكثر بشاعة، وتحولت ليبيا إلى خراب والدماء والدموع تسيل في كل صبح ولا أحد يسأل؟!
إنسانيا، كيف تصف لنا العقيد القذافي؟
القذافي ثائر منذ نعومة أظافره ضد الظلم والقهر والغبن، يسعى إلى توحيد الأمة لتجد لها مكاناً يليق بها، يسعى إلى نشر الإسلام الصحيح وقد دخل الإسلامَ على يديه الملايين، وكان يذهب كل عام إلى بلد ليدعو إلى الدين الصحيح.
كان إنساناً بسيطاً ينام على الأرض ويأكل التمر ويشرب الحليب، حليفاً للفقراء، يكره المستعمرين، لقد ناصر حركات التحرر، فتح أبواب ليبيا لكل جيرانها من دون قيود ولا تأشيرات.
لم يذهب ليقضي إجازته في كابري ونيس كغيره من الحكام العرب، يرى أن الديمقراطية الغربية لا تناسب مجتمعاتنا المسلمة، وإنما نظام الشورى، وقد عبّر عن ذلك من خلال "الكتاب الأخضر" الذي شرح فيه حكم الشعب دون نيابة أو أحزاب، ورسم خطا سياسيا مستقلاً، وتعامل بندّية مع الدول الكبرى.
ورفض خلال المواجهة كل العروض بالخروج من الوطن بمن يريد وبكل الأموال وإلى أي بلد بكل الضمانات، وفضل أن يقوم بواجبه في الدفاع وسقط شهيداً كما وعد.
هنالك من يرى أنه لم يكن يملك الكاريزما الحقيقية للرؤساء، وأن به كبتا نفسيا حادا؟
أكيد. لقد كانت كاريزما الزعيم تطغى، فلم يكن حاكماً تقليديا وكان يكره أن يناديه الناس بالألقاب، وكان يناديه الليبيون بالأخ معمر، وبالعكس لقد كان متحرّرا من هذه القوالب التقليدية، يلبس الزي التقليدي الليبي، ويعتز بعروبته وبتاريخ أمته، ولم يكن مجاملاً ولا منافقاً.. ولم يكن ذلك ليروق لأعدائه المحنّطين في قوالب مستوردة ويقلدون كل ما هو غربي حتى فقدوا الثقة في أنفسهم، بينما كان القذافي واثقاً في نفسه وأمّته التي يستمد منها الزاد.
ماذا خسرت ليبيا بفقدان القذافي؟ وماذا فقدت دول الجوار والعالم العربي بفقدانه كذلك؟
لقد خسرت ليبيا الاستقرار والأمان وأكثر من 400 مليار دولار وأطناناً من الذهب والفضة، لقد كان لها ثامن احتياطي نقدي في العالم، خسرت جيشَها الباسل الذي سحقته الحملة الصليبية، أما دول الجوار فلم تعد الملايين من العمال والمليارات من الاستثمارات تتدفق عليها بل أصبحت ليبيا تصدّر حبوب الهلوسة والصواريخ والتطرّف إلى جيرانها. أما العالم العربي، فقد خسر الضمير الذي كان يصرح بالحق ويجاهر بالدعوة ويحذر مما وصلنا إليه الآن.
كما فقدت إفريقيا زعيمها الذي كان يناصرها في معارك التحرير، وشرع في معركة وحدة القارة وكان حلمه (الولايات المتحدة الإفريقية). وأعتقد أن جهده وجهاده من أجل ذلك هو الذي ألّب الغرب عليه وجاء لقتل حلم إفريقيا لتصبح قطبا وندا، وأرادوا إسكات صوت القذافي لتكون مرتعاً وتعود ثانية إلى العبودية ومزرعة للغرباء.
لكن هنالك من يرى في العقيد خطرا على دول المنطقة خاصة الجزائر بترويجه لفكرة إقامة دولة التوارق؟
لم يروّج القذافي يوماً للانفصال وإنما كان دائماً وحدويا، وإن ناصر قضية التوارق ودافع عنهم، فهو كان حريصاً ألا نترك هذه المجموعات العرقية لعبة في يد الأجانب، ويقول دائماً علينا الدفاع عن حقوقهم.
والتوارق موزعون في جنوب ليبيا والجزائر والنيجر ومالي... وقسّمتهم حدود هذه الدول فكان يطالب بالسماح لهم بالحركة والدخول والإقامة في ليبيا دون قيد أو شرط حماية لهم واحتراماً لحياتهم الاجتماعية، وحماية للأمن القومي العربي، ولم يكن يسعى إلى غير ذلك. وسيبقي مدى الدهر في قلوب التوارق الذين بادلوه الحب ونصبوه (أمغاراً) عليهم في رحلته للصلاة في جامع (تمبكتو) والجميع يعرف أن القذافي حليفٌ للجزائر، وقد دخل أول مرة السجن عندما كان طالباً ينادي بخروج الفرنسيس في العهد الملكي، فكيف يقبل أن يكون شريكا في عمل يهدد أمنه؟!
ذهب القذافي، وبقي عددٌ من أفراد عائلته، كيف حالهم؟ وماذا عن مقربيه؟ وهل أنتم قادرون على إحياء مشروع العقيد من جديد؟
النظام الجماهيري، كما قلت سالفاً، ليس حزباً وسقط، فهو سلطة كل الناس وهو بنية اجتماعية، وحتى الليبيون الأحرار الذين لم يكونوا مؤيدين للنظام اصطفوا خلف القذافي عندما تدخّلت الدول الاستعمارية وبالتالي هم يشكّلون القبائل والقوات المسلحة والشرطة والقضاة، والقيادات السياسية والدينية والاقتصادية.
ولن تقوم ليبيا إلا إذا كانوا شركاء فيها، فهم الرقم الصعب في المعادلة، ولا يعني ذلك أن نعيد صياغة نظام القذافي، اليوم المعركة الواجبة هي إنقاذ الوطن ومواجهة ما هو أسوأ وليست صراعاً على السلطة.
ولذا نحن ندعو أهلنا في ليبيا إلى كلمة سواء، لقد دعونا إلى حراك جديد يجمع كل الليبيين تحت راية بيضاء، راية السلام والأمن وحرمة دماء الليبيين والمحافظة على ثوابت الوطن. وسترفع هذه الرايات فوق البيوت والجامعات والمدارس والمحلات والسيارات في كل المدن وهذا التيار سيشكل أغلبية وسيكون صوتاً لمن لا صوت له، لأن الحقد لن يبني وطناً، وأن من يسقط هنا أو هناك هو مواطن ليبي ولن ينتصر أحد في هذه المواجهة.
وعلينا جميعاً أن ننحني أمام الوطن، ليعود وطناً للجميع دون إقصاء لأحد، ونقبل بما يقبل به الليبيون ونرفض التدخل الأجنبي وبيع الوطن وقد عقدنا نحن الليبيين الأحرار العزم على ذلك.. وسوف تعود ليبيا بإذن الله واحة للأمن والسلام.
قال تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} حما الله أمتنا.