لم يفلح قرار وزارة الصحة المصرية في سحب مشروع قانون التأمين الصحي الجديد لتعديله قبل إعادته للبرلمان، في تهدئة الجدل المتزايد حول هذا المشروع، خاصة مع اتجاه الحكومة لتعديلات جوهرية في نظام العلاج على نفقة الدولة بعد اتهام نواب بالبرلمان بإساءة استغلاله.
وقوبل مشروع القانون الجديد -الذي أعلنت الحكومة عنه بداية العام الماضي- باحتجاجات واسعة من منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة الذين رأوا أنه "اتجاه صريح نحو خصخصة التأمين الصحي"، وقالوا إن مشروع القانون الجديد يضيف أعباء مالية كبيرة على المواطنين لن يستطيعوا تحملها.
واقترح نواب الحزب الحاكم خلال مناقشة مشروع القانون إلغاء نظام "العلاج على نفقة الدولة"، أو إلزام المواطنين بتحمل 50% من تكلفة العلاج، وذلك بعدما وصلت الديون على وزارة الصحة بسبب هذا النظام إلى مليار ونصف مليار جنيه.
العلاج سوف يستمر
وقال وزير الصحة حاتم الجبلي إن تأجيل عرض القانون الجديد أمام البرلمان جاء لتدارس النقاط المختلف عليها، ولتوفير التمويل اللازم له الذي يصل إلى نحو 17 مليار جنيه سنويا.
وأكد الوزير أن العلاج على نفقة الدولة سوف يستمر في القانون الجديد، "لكن مع وضع معايير وضوابط للقضاء على السلبيات السابقة".
وحذر أطباء وممثلو أحزاب من اتجاه الحكومة لإلزام المنتفعين من نظام "العلاج على نفقة الدولة" بتحمل نصف تكلفة العلاج، كما تعهدوا بالطعن في دستورية القانون الجديد برمته حال تمريره عبر الأغلبية الحاكمة في البرلمان.
وقال هؤلاء، خلال ندوة بنقابة الصحفيين المصرية، إن تمرير القانون "يهدد الأمن القومي" لأنه سيفاقم الأزمة الصحية المتزايدة في البلاد، مذكرين بإصدار مجلس الدولة فتوى تؤكد العوار القانوني لـ12 مادة أساسية في مشروع القانون.
وقال الدكتور محمد حسن خليل منسق "لجنة الحق في الصحة" إن إلغاء أو تقليص "العلاج على نفقة الدولة" سيؤدي إلى حرمان العديد من الأسر الفقيرة من حقها في العلاج من الأمراض المزمنة، كما أن تحمل المواطن نصف تكلفة العلاج أمر شبه مستحيل لوجود أمراض يصعب تحمل المريض مصاريفها مثل الفشل الكلوي.
وأكد أن الحل هو استمرار "العلاج على نفقة الدولة" مع محاربة الفساد المتعلق به، حتى إقرار حل جذري يتمثل في تأمين صحي اجتماعي شامل لجميع الأمراض للمساواة بين المواطنين.
وانتقد خليل تجاهل المسؤولين في وزارة الصحة لفتوى مجلس الدولة المتعلقة بالمخالفات القانونية التي تضمنتها بنود القانون الجديد، وطالب وزير الصحة بإطلاع الأطباء والمواطنين على بنود مشروع القانون، "لأنه من غير المعقول أن لا يعرف ذوو الشأن والمتضررون من القانون تلك البنود، وأن لا ينشر نصه الكامل إلا قبل أيام، وفي صحف المعارضة".
رسوم كثيرة
ومن جهتها قالت الدكتورة كريمة الحفناوي عضو اللجنة إن القانون الجديد لا يقصر التزامات المواطنين على الاشتراك فقط مثل القانون الحالي، بل يضيف إليها إلزام المواطن بدفع رسوم عند الكشف أو تسلم الأدوية أو إجراء تحليلات وفحوصات.
وتابعت تقول "جميع المنتفعين من نظام التأمين الصحي من أصحاب الدخول المنخفضة، ويصعب عليهم تحمل نصف تكلفة الكشف في العيادات الخارجية مثلا، وإذا كنا نتحدث عن مرض مزمن فإن تكرار تحمل المواطن لنسبة من العلاج عند كل كشف أو تحليل أو تسلم دواء ستجعل ما يدفعه أكبر من إمكانيته بكثير".
في المقابل أكد مستشار وزير الصحة عبد الحميد أباظة أن لا نية لإلغاء "العلاج على نفقة الدولة"، إلا عند تطبيق قانون التأمين الصحي الشامل كاملا، وبشرط أن يوافق عليه البرلمان.
وأوضح أن حالات التجاوز في الميزانية والديون وصلت مليارا ونصف مليار جنيه بسبب وجود خدمات جديدة ذات تكلفة عالية أهمها علاج الكبد بـ"الإنترفيرون الذي يستلزم إنفاق مليوني جنيه يوميا".
وأشار أباظة إلى وقف وزارة الصحة التعامل مع بعض المستشفيات الاستثمارية -التي تقدم خدمات متميزة- في العلاج على نفقة الدولة نظرا لارتفاع مديونية الوزارة، وقال "أعلم أن هذا ربما يؤدي إلى تدهور صحة المريض، ولكن الوزارة ليس في وسعها أكثر من ذلك".