انحرافٌ خطير سجله المخزن ضد الجزائر، فبعد التهديدات والاتهامات المجانية التي دأب على توجيهها للجزائر، سواء بإفشال بناء صرح المغرب العربي، أو المساهمة في توتير المنطقة، إلى حد توصيف الجزائر بـ"الخصم"، هذه المرة سجل المغرب سقطة كبيرة عندما دعا عبر ممثله في الأمم المتحدة إلى ما سماه "حماية والنهوض بحقوق سكان منطقة القبائل ضمن جدول أعماله؟!".
التصرف الأرعن للمغرب، حاول من خلاله القفز على المشاكل التي يعرفها في الداخل، والتي زادها الحراك الشعبي في مدينة طنجة ضد شركة أمانديس الخاصة بتزويد الكهرباء والماء، احتجاجا على الغلاء المستمر للفواتير، والتي بدأت تتفاقم ككرة الثلج، ومع عدم قدرة الحكومة بقيادة عبد الإله بن كيران على تهدئة المواطنين هنالك، يخشى المغرب أن تتحول المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية قد تصل إلى حد الدعوة إلى إسقاط النظام، كما حدث في بداية 2011 مع الحركة الشبابية "20 فبراير" ونجا الملك حينها من السقوط، عندما وعد ببعض الإصلاحات السياسية عبر "رمي" بعض الصلاحيات هي أشبه ما تكون بالفتات للحكومة حتى يبقى بعيدا عن المطالبات، ويظهر جليا أن خشية الملك من الاحتجاجات هذه المرة جعلته يصدّر مشاكله الداخلية إلى الجزائر.
كما يأتي التحول الجديد للمغرب تجاه الجزائر، بعد الإخفاقات التي سجلتها الدبلوماسية المغربية سواء على الصعيد الإفريقي أو الدولي، ففي القارة السمراء، يعيش المخزن عزلة غير مسبوقة، نتيجة لتبّنيه أطروحات استعمارية في حق الصحراء الغربية، وكانت نتائجها عزله من الهياكل داخل الاتحاد الإفريقي، ونفس الحال تقريبا على المستوى الدولي، بتلقيه صفعتين في الآونة الأخيرة، أولها من السويد التي أعلنت دعمها المطلق للصحراء الغربية، ولم يجد المغرب من سبيل للرد على ستوكهولم سواء إعلانه مقاطعة الشركات السويدية، وبعدها إعلان البرازيل التي تعدّ الدولة الأقوى في أمريكا اللاتينية دعمها للقضية الصحراوية، ولمواجهة هذا الوضع لم يجد المغرب من سبيل سوى عرض مقترحاته على المكسيك.
وتكشف دعوة الرباط الجديدة، المؤامرات التي خطط لتنفيذها ضد الجزائر، عبر النعرات الطائفية، وهو ما حصل في قضية غرداية، حيث سجل أكثر من مسؤول جزائري أن المغرب هو المتورّط الأساسي في الأحداث، عبر تمويل بعض "المتطرفين هناك"، وإن كان الدعم المغربي واضحا لفائدة فرحات مهني، لكنه صار يتم جهارا نهارا، حتى أن هذا الأخير الذي يحظى كذلك بدعم صهيوني، قد عبر صراحة عن ارتياحه لمواقف المغرب اتجاهه، وتعد الرباط وتل أبيب العاصمتين الوحيدتين في العالم اللتين تعلنان دعم فرحات مهني.
الشروق