استقالات وانشقاقات عصفت خلال الفترة الأخيرة، بحزب نداء تونس لتصب في صالح تيار الإسلام السياسي المتمثل في حزب النهضة وتجعله يتصدر الساحة السياسية، مما يؤدي بحسب مراقبين، إلى حدوث تداعيات كثيرة تنعكس سلبا على الصعيد السياسي والاقتصادي بالبلاد.
أزمة كبيرة يعيشها حزب نداء تونس بلغت الذروة ونقطة اللاعودة، إذ أصبح هشا وعرضة للتفتيت خاصة بعد الخلافات التي ظهرت على السطح وترجمت إلى حوادث عنف بين أعضاء الحزب، فضلًا عن استقالة 32 عضوا في البرلمان التونسي، ليتقلص عدد مقاعد الحزب في البرلمان إلى 54 مقعدا مقارنة بحزب النهضة الذي حصل على 67 مقعدا خلال الانتخابات العامة التي جرت في عام 2014، مما يعطي الأغلبية واليد الطولي لحزب النهضة الذي حكم البلاد قبل 2014.
ويرجح مراقبون أن أسباب الاستقالة الجماعية في نداء تونس، هو صراع المصالح الشخصية والنفوذ وغياب تشكيلات هيكلية منتخبة، حيث صرح أحد الأعضاء الذين تقدموا باستقالتهم لوسائل إعلام تونسية أن “لوبيات المال الفاسد هو وراء ما يحدث في تونس” بالإضافة إلى سلوك بعض أعضاء الحزب واختيارهم مسارا غير ديمقراطي، على حد تعبيرهم.
ولا يخفي على أحد ما يشهده حزب نداء تونس منذ فترة كبيرة، من نزاعات وصراعا على النفوذ بين تيارين، إذ يتزعم الجناح الأول حافظ نجل الباجي قايد السبسي، إضافة إلى المعسكر اليساري الذي يتزعمه محسن مرزوق والذي يشغل منصب الأمين العام لنداء تونس ويضم نخبا سياسية من تيارات يسارية بارزة في النقابات المهنية التونسية.
ويتهم النواب المستقيلون من كتلة النداء الشق الآخر من الحزب نفسه بالعمل مع حركة النهضة على زعزعة الحزب وتقسيمه خدمة للحركة الإخوانية، كما يتهم المستقيلون الطرف المقابل بالسعي إلى توريث حافظ قائد السبسي مكان والده وهو أمر مرفوض بالنسبة لهم ولا مجال للخوض فيه.
ويعيب شق حافظ قائد السبسي على “خصمه” محاولته تأييد سيطرته على الحزب من خلال التأجيل المتكرر للمؤتمر، باعتبار أن شق الأمين العام محسن مرزوق الذي استقال نوابه يهيمن على المكتب السياسي المعين غير المنتخب ومن مصلحته أن يستمر الحال على ما هو عليه دون المخاطرة بعقد مؤتمر قد يجعل “كبار القوم” يغادرون مواقعهم.
وفي محاولة منه لدرء حالة الانقسام في صفوف الحزب، قدم الباجي قايد السبسي اقتراحا يقضي بعدم ترشح نجليه حافظ أو مرزوق لأي من المناصب التنفيذية داخل الحزب.
وتعود خلافات الحزب إلى مرحلة التأسيس منذ عام 2012 وتبنيه الفكر البورقيبي بهدف مواجهة التيار الإسلامي المتصاعد في البلاد والمتمثل بتيار النهضة، خاصة وأنه جاء نتيجة حالة مفتعلة ضمت تيارات متناقضة من الأطياف اليسارية والنقابية أو من الشخصيات التي تتحدر من قوى سياسية خرجت من رحم الحزب الحاكم السابق.
إذا ما استمر مسلسل الانشقاقات داخل نداء تونس فإن ذلك سينعكس سلبا على الحكومة التونسية، وبالتالي على الشارع التونسي خاصة وأن الأخير عول عليه الكثير في عودة الاستقرار للبلاد سياسا واقتصاديا وتحسين مناخ الحريات العامة وزيادة الاستثمارات لإنعاش الاقتصاد الذي عاني كثيرا في السنوات الأخيرة.
بعض المراقبين للشأن التونسي يرجعون الخلاف القائم إلى عدم التجانس الأيديولوجي، وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي جوهر بن مبارك إن “هذه الأزمة كانت متوقعة بسبب سرعة تكوين الحزب من خليط سياسي غير متجانس يشكله يساريون ونقابيون ومستقلون ومسؤولون بالنظام السابق”.
من جانبه قال الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل، بوعلي أن الاستقالة أثرت على أداء مجلس النواب التونسي، لاسيما الكتلة النيابية التابعة للحزب، موضحاً أن الأعضاء تقدموا باستقالتهم من الكتلة النيابية، وليس من الحزب، وأن هذه الاستقالة ستدعم الحكومة التونسية، ولن تسبب أي أزمة سياسية في البلاد.
وأضاف أن هناك صراعاً موجوداً بين أعضاء في حزب “نداء تونس”، لاسيما أن الحزب لم يقم بتنظيم المؤتمر الأول، وهو ما أثر على أدائه خلال هذه الفترة، وأكد إمباركي على وجود منظمات مجتمع مدني قوية في تونس، داعياً أفراد الحزب لإعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية.