أكثر من أي وقت مضى تواترت أخبار عن وفاة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مصحة سويسرية.
الأنباء التي أحدثت جدلاً وسط الرأي العام الجزائري خلال اليومين الأخيرين، تشير إلى أن الرئيس البالغ من العمر 75 سنة توفي سريرياً، بعد تدهور حالته الصحية، ونقله الأسبوع الماضي إلى مستشفى "فال دوغراس" العسكري في باريس الفرنسية ليتم نقله مباشرة إلى المصحة السويسرية. ولم تدفع هذه الحالة القلقة الحكومة إلى أي بيان أو إجراء لطمأنة الرأي العام المحلي والدولي. وفي غياب أي بيان رسمي يكشف حقيقة الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة عمّ الخبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن (الخبر – الإشاعة). ما دفع بعض الصحف الجزائرية إلى تكذيبها جملة وتفصيلاً. بل وأكثر من ذلك نفت تواجد الرئيس بوتفليقة خارج الجزائر. وبغض النظر عن كون تكذيبات الصحف الجزائرية محاولة لتهدئة الرأي العام المتوتر أصلاً، من كثرة الحديث عن صحة الرئيس منذ أبريل/ نيسان 2013، وخصوصاً في مثل هذه الظروف الأمنية والسياسية المتدهورة دولياً، وكذلك الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي تلقي بظلالها على الوضع العام الجزائري بصفة عامة.
زيادة مستوى الإشاعات حول صحة الرئيس بوتفليقة مؤخراً لا تتعلّق بغيابه عن المشهد السياسي، لكنها ذات صلة أيضاً بحالة من الشك، طرحتها شخصيات كانت مقربة من الرئيس والحكومة. وتطورت الأمور عقب الرسالة التي بعثتها مجموعة من "الشخصيات الجزائرية" إلى رئاسة الجمهورية، طالبة عبرها لقاء الرئيس بوتفليقة والاطمئنان على صحته، والتحدث معه حول الأوضاع الصعبة للبلاد. وهي الرسالة التي بقيت حبراً على ورق، ومادة دسمة تناولتها الصحافة الجزائرية والدولية، لكن سقط مطلبها في الماء. فالرئاسة الجزائرية مارست "الحوار من جانب واحد"، حيث تلقت الرسالة لكن من دون رد على المطلب، ولم تبد أي رد فعل حيالها، وهو ما زاد من قوة فرضية تدهور صحة الرئيس بوتفليقة، بل أكثر من ذلك، ساهم الصمت في تزكية أنباء وفاته في إحدى المصحات الأوروبية.
منذ الخطاب التاريخي لبوتفليقة عشية تخليد ذكرى "مجازر الثامن من مايو/أيار 2012" بقي السؤال حول صحته مطروحاً. فهو الذي قال في خطابه حينها "طاب جناني" أي أنه كبر وانتهى دوره في الساحة؟ إلا أن المطالب بترشحه للعهدة الرابعة، كانت قوية، ولم يمنعه دخوله مستشفى "فال دوغراس" في أبريل/ نيسان 2013، من الترشح وتلبية رغبة مؤيديه والاستجابة لأصوات شعبية كانت تريد بقاءه في سدة الحكم. المعارضة في الجزائر طرحت علامات استفهام عديدة حول صحة الرئيس الجزائري، وقدرته على إدارة شؤون البلاد، وطفت التساؤلات منذ 2014، وبالضبط خلال أدائه اليمين الدستوري، حيث ذهبت بعض الأصوات السياسية إلى أبعد من ذلك، مطالبة المجلس الدستوري الجزائري بضرورة تفعيل المادة 88 من الدستور الجزائري، وتطبيقها فعلياً، والإعلان عن حالة شغور منصب الرئيس، بالنظر إلى الحالة الصحية المتدهورة التي ظهر فيها بوتفليقة.
وكان الرئيس الجزائري قد خضع لعلاج مكثف بعد إصابته بمرض في المعدة، وهو المرض الذي ألزمه الغياب عن الجزائر لأكثر من أسبوع. ثم أصيب بعدها بجلطة دماغية ألزمته التنقل بكرسي متحرك، ولا يظهر للشعب الجزائري إلا في المناسبات أو استقباله للشخصيات الرسمية الدولية، وفي لقاءات عابرة، كان آخرها ترحمه على أرواح شهداء الثورة الجزائرية المجيدة، في الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، من دون الحديث إلى الشعب الجزائري، سوى ببيانات وخطابات مكتوبة، توزع وتبث عبر وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية. من جانبها التزمت السلطات الجزائرية الرسمية الصمت المطبق حيال الإشاعات. ولم ترد حتى كتابة هذه السطور. ولم يصدر أي بيان أو موقف رسمي بخصوص الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة. ليبقى الرأي العام في حالة انظر واسمع وانتظر.