في خطوة اعتبرها البعض مفاجئة، أعلن الرئيس الجامبي يحيى جامع، أمس، بلاده جمهورية إسلامية. ورغم أن تعداد المسلمين في هذا البلد يمثل أكثر من 90% من سكانها بحسب آخر إحصائية رسمية عام 2009، إلا أن جامع أرجع اتخاذ هذه الخطوة إلى سبب آخر، هو تخليص بلاده بشكل أكبر من ماضيها الاستعماري، مؤكدًا أنه سيظل بإمكان أصحاب الديانات الأخرى ممارسة شعائرهم.
وبالنظر إلى الدستور الجامبي، نجده ينص في المادة 25 على حماية حق مواطنيها في ممارسة أي ديانة يختارونها، كما أن الحكومة لم تحدد ديانة رئيسية للدولة، إلا أن الإسلام هو الدين السائد. ويتبع غالبية مسلمي جامبيا المذهب السني. أما الجالية المسيحية فتمثل 8% من السكان، ويقطنون في الأجزاء الغربية والجنوبية من جامبيا، ويتبع معظمهم الكنيسة الكاثوليكية، وتوجد طوائف مسيحية صغيرة أخرى، كالأنجليكانية والميثودية والمعمدانية والسبتية وشهود يهوه وغيرها.
واشتهر الرئيس الجامبي جامع منذ توليه الرئاسة في انقلاب عام 1994 بإصداره إعلانات وصفها الكثير بالمفاجئة، منها سحب بلاده من الكومنولث عام 2013، واصفًا إياه بأنه استعمار جديد، كما أعلن في 2007 توصله لعلاج بالأعشاب لمرض الإيدز، وفي 2014 حظر اللغة الإنجليزية كلغة رسمية، معتبراً أنها «إرث استعماري».
وعلى الرغم من العلاقات التجارية القوية مع بريطانيا ودول أوروبا الأخرى التي يزور مواطنوها بانتظام شواطئ جامبيا ذات الرمال البيضاء، فإن العلاقات مع الغرب تدهورت في السنوات الأخيرة، ووُجِّهَت انتقادات دولية لهذا البلد بعدما أعدم سجناء عام 2012، إلا أن الرئيس الجامبي في ذلك الوقت اتهم الولايات المتحدة وبريطانيا بالتحريض على محاولات انقلاب ودعم المعارضة، وفي عام 2014 علق الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت أموال المساعدات لجامبيا؛ بسبب ما وصفته أوروبا بسوء سجلها في مجال حقوق الإنسان، وتحتل جامبيا المركز 165 من بين 187 دولة في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية.
جغرافيًّا جمهورية جامبيا إحدى دول الغرب الإفريقي، وهي أصغر دولة في البر الرئيسي لقارة إفريقيا، ويحدها من الشمال والشرق والجنوب السنغال، ويخترقها نهر جامبيا، الذي يصب في المحيط الأطلسي، الذي يحد البلاد من الغرب.
وفي أوائل العام الجاري اعتقلت السنغال الشيخ أبو بكر سيد دابوالجامبي؛ بتهمة المشاركة في تدبير محاولة انقلابية فاشلة ضد نظام رئيس جامبيا.
وبنظرة أوسع للجانب الديني في جامبيا نجد أن الشيخدابو(مدير معهد النور الإسلامي) قام بدور كبير في هذا الأمر، حيث حذر في حوار له أواخر عام 2014 من افتقاد ما يطلق عليه الإعلام الإسلامي؛ باعتباره العامل الأهم في دعم مسيرة الدعوة الإسلامية، مؤكدًا أن مسلمي جامبيا – رغم أغلبيتهم الساحقة – لا يملكون وسائل إعلام، وليس لهم نصيب كبير من البرامج الدينية في التليفزيون، بعكس الأقلية المسيحية، التي تسيطر على وسائل الإعلام، وتسخرها للتخديم على مصالحهم ومحاولة الوصول لصانع القرار.
ومنذ فترة سعت الحكومة الجامبية لإقرارِ نصوص تؤكد أن جامبيا دولة علمانية، لكن دابو أكد في حواره أن الشعب الجامبي ضد التعديل المقترح؛ لخطورته على قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية والمحاكم الشرعية وعلى مناهج التربية الإسلامية في التعليم العام، وأجبرت المعارضة الشعبية الحكومة على التراجع عن هذا الأمر، لكنه عاد وأكد أن هناك أمرًا يثر الاستغراب في جامبيا يتمثل في حصول الأقلية المسيحية على مناصب عديدة داخل مجلس الوزراء؛ لقدرتهم على استغلال سيطرتهم على الساحة الإعلامية، وامتلاكهم شبكة إذاعات محلية مؤثرة.
وبعد قراءة هذه التصريحات يتضح أن هناك صراعًا دينيًّا يغذيه نفوذ مسيحيي جامبيا وثرواتهم، مقابل أغلبية مسلمة فقيرة، وتظهر في الأفق ملامح خلاف بين القادة السياسيين في البلاد على وضع الدولة دينيًّا، وهو ما يفسر تصريحات الرئيس الجامبي أن إعلان جامبيا دولة إسلامية يخلصها بشكل أكبر من ماضيها الاستعماري بعد استقلالها من بريطانيا عام 1965.