سرت : أحدثت القمة العربية الـ22 انتعاشاً اقتصادياً كبيراً لمدينة سرت الليبية ، حيث لم يقتصر ذلك الانتعاش على المستوى السياسي فقط بعد قرار الاتحاد الأوروبي الاحد ، برفع القيود المفروضة على الليبيين ومنحهم تأشيرة "شينجن" بل امتد ذلك ليشمل الاقتصاد والسياحة المحلية بشكل غير مسبوق.

وتعتبر مدينة سرت ثالث مدن ليبيا بعد طرابلس وبنغازي من حيث الكثافة السكانية والإمكانيات الاقتصادية، باستثناء أنها مسقط رأس العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية، فإن مدينة سرت تقع على ساحل البحر المتوسط، ويمكن وصف إمكانياتها الاقتصادية والزراعية والسياحية والعمرانية بالضعيفة نوعاً ما، بالرغم أن النهر الصناعي العظيم يمتد في باطنها.

هذا وقد استقبل سكان المدينة نبأ انعقاد القمة العربية بفرح كبير لتحسين دخولهم المالية المتوسطة والمحدودة الذين تطلعوا إلى أن تحدث لهم القمة انتعاشاً بتوفير دخل إضافي ربما لا يتكرر ثانية، فذلك الانتعاش تمثل في عدة مظاهر أهمها: انتعاش السوق العقاري والمواد الغذائية والسيارات الخاصة.

ففيما يتعلق بالجانب العقاري فقد أدى تواضع المنشآت الخدمية وخلوها من الإمكانيات الفندقية الكبيرة باستثناء فنادق الخمسة نجوم لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، مقارنة بعدد الوفود الكبيرة التي تمثل 22 دولة عربية فضلاً عن وفود من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي وتركيا بالإضافة إلى أكثر من 600 إعلامي وصحفي، كل هؤلاء تجمعوا دفعة واحدة في تلك المدينة الصغيرة.

وذكرت جريدة "الشرق" القطرية ان الأهالي من جانبهم لم يتوانوا عن انتهاز الفرصة للحصول على نصيبهم من هذه المنحة فلجأ العديد منهم إلى إخلاء مساكنهم وتأجيرها من الباطن على الوفود المشاركة غير المدعوة رسمياً، والذين لم تشملهم الاستضافة الكاملة، والذين وجدوا أنفسهم مضطرين للقبول بما يمليه عليهم أصحاب الشقق المفروشة.

وكما يقول أبوعلي صاحب إحدى الشقق :" إنها فرصة فالشقة التي لا يزيد إيجارها الشهري على 300 دينار ليبي وهي اليوم معروضة للإيجار بواقع 400 دينار لليلة الواحدة، وقد لجأ معظم الأهالي إلى إخلاء مساكنهم والانتقال منها إلى مسكن الأهل أو مسكن آخر خاص بهم، لتدبير مبلغ مالي معقول خلال هذه الفترة، والغريب أن أصحاب الشقق طبقوا معايير وأنظمة الفنادق التي يسمعون عنها، فأجبروا كل راغب من الوفود على إخلاء المساكن قبل الساعة الثانية عشرة ظهراً أسوة بما هومتبع في الفنادق وإلا كان عليهم أن يدفعوا إيجار يوم جديد.

إلا أن الأزمة العقارية والازدحام السكني لمدينة سرت لم تقف أمامه السلطات الليبية مكتوفة الأيدي بل لجأت لحل آخر من البحر يتمثل في استخدام سفينة فندقية يقال إنها فندق عائم لكافة الإعلاميين المشاركين، الذي قطنوا في غرفها الصغيرة جداً لتصبح في أعينهم كالزنزانة العائمة ووجدوا أنفسهم معتقلين بداخلها وليسوا نزلاء فنادق، خاصة مع غياب أهم الخدمات الإعلامية كالتلفاز والإنترنت والهواتف.

فعدد النزلاء من الإعلاميين الكبير جداً الذي وصل إلى 1000 نزيل، اضطروا إلى الإقامة في تلك الغرف الضيقة التي باتت مشتركة بين أكثر من شخص ، فغرفة ينام فيها أربعة وأخرى ثلاثة، ومن حالفه الحظ فإنه نال غرفة منفردة ولكن من غير سرير ، فضلاً عن الممرات الضيقة والحمامات المشتركة والغياب الكامل للخدمات المهمة، بالإضافة إلى محدودية الوجبات الغذائية وقصر الفترة التي تقدم فيها الوجبات الرئيسة، فوقف الكثير منهم محتجين في نهاية الطابور لعدم وجود ما يسد رمقهم ويوفر لهم الراحة.

كما أن السفينة قادمة من إيطاليا لاحتواء الوفود المشاركة بالقمة العربية، فتلك السفينة التي اصطحبت معها مظاهر الحضارة الغربية التي لا تناسب المجتمعات العربية المحافظة، فتلك المظاهر ملاحظة على ظهرها بشكل واضح، كما لوحظ أن هناك ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية التي تستهلكها الوفود من محلات التجزئة الصغيرة الذين رفعوا الأسعار أيضاً بهذه المناسبة، إلا أن الضيافة الليبية وفرت للإعلاميين بوفيهات مفتوحة في مقر إقاماتهم إلى جانب بوفيه مفتوح للضيوف المشاركين في الجلسات المفتوحة والمغلقة للقمة.

أما قاعة المؤتمرات التي عقدت فيها القمة العربية الـ 22 فقد تزينت بمنتجات وبضائع ليبية وإفريقية جميلة وبسيطة يمكن شراؤها كهدايا تذكارية، بالإضافة إلى التمور وزيت الزيتون والعسل والعطورات والهواتف المحمولة والسجاد والحلي النسائية الفضية، إلا أن الأسعار كانت مرتفعة جداً وبزيادة تقدر بأكثر من 80 % عن أسعارها الأصلية حتى أنها لا تقبل المناقشة فيها.

كما وفرت للإعلاميين أعداداً من الخطوط الهاتفية المفتوحة في المركز الإعلامي إلا أن الكثير منهم فضل شراء شرائح اتصالات للهواتف المحمولة، التي تقبل عليها الوفود الإعلامية بشكل كبير، والتي تراوحت أسعارها الجديدة المرتفعة خلال القمة بنسبة 40 % بحجة أنها أرقام مميزة!.

ويمكن القول بصفة عامة إن القمة العربيةالـ 22 التي عقدت بمدينة سرت قد أحدثت انتعاشاً اقتصادياً حقيقياً متساوياً مع صيحات أهلها الذين قاموا بتأييد والترحيب بالوحدة العربية، التي ترجمت على اللافتات العريضة الموزعة في أنحاء المدينة وشوارعها التي تؤكد التلاحم العربي من خلال مدينتهم الهادئة الصغيرة، وهوما عكسته تلك الشعارات امتدت على طول الطريق بدءاً من مطار القرضابية الدولي وحتى مقر إقامة الوفود والمركز الإعلامي وقاعة مؤتمر القمة العربيةالـ 22.