أكد سفير سويسرا لدى القاهرة ماركوس لايتنر أن الأموال المجمدة فى بنوك بلاده ستعود إلى مصر فى جميع الأحوال سواء بردها للحكومة المصرية لصالح الشعب المصرى بعد صدور أحكام قضائية نهائية ضد أصحابها أو باتفاق بين الحكومة المصرية وأصحاب هذه الأموال فى إطار تسوية قانونية أو حتى بإنهاء مدة تجميد هذه الأموال.
وتحدث السفير فى حوار مع «الشروق» عن الاستثمارات السويسرية فى مصر والمعوقات التى تحول دون تدفق المزيد من الاستثمارات وحركة السياحة السويسرية إلى مصر بعد حادث تحطم الطائرة الروسية فى سيناء وعن قضية تدفق اللاجئين إلى أوروبا وجهود سويسرا فى مساعدة الدول النامية لمواجهة التهرب الضريبى.
وفيما يلى نص الحوار:
• أقر البرلمان السويسرى أخيرا قانونا يسهل تجميد الأموال غير المشروعة للحكام المستبدين الذين تمت الإطاحة بهم ومن ثم استردادها، فما هى حدود الاستفادة المنتظرة بالنسبة لمصر من هذا القانون؟
السفير: بشكل عام القانون الجديد لن يغير كثيرا من الإجراءات والنظم السويسرية المتبعة فى إعادة الأموال المهربة إلى دولها، ولكن النقطة الأهم فى القانون الجديد هى تحرير الدول المطالبة باسترداد الأموال من عبء إثبات أن هذه الأموال التى هربها حكام سابقون إلى سويسرا جاءت من مصادر غير مشروعة، وفق شروط معينة، كما أن القانون الجديد يضمن عدم الإفراج عن الأرصدة المجمدة لمجرد التأخير فى الإجراءات أو عدم الاستقرار السياسى فى الدولة التى تطالب باسترداد الأموال.
• إذن كيف يمكن لمصر أن تستفيد من هذه القواعد الجديدة فى ملف استرداد أموالها المهربة إلى سويسرا؟
السفير: موضوع استفادة مصر من القانون الجديد من عدمه، سابق لأوانه لأن القانون لم يدخل حيز التطبيق حتى الآن. كما أن عملية تجميد الأموال على أساس القانون الجديد يمكن أن تطلق فقط فى حالة استحالة المساعدة القانونية المتبادلة بين سويسرا والدولة المعنية، وذلك إما بسبب فشل مؤسسات الدولة فى بلد المنشأ أو عدم وجود تعاون قضائى معها، نظرا لعدم الالتزام بمعايير حقوق الإنسان فيها، وهما شرطان لا ينطبقان على الحالة المصرية. ولهذا فإن فرص استرداد مصر للأموال المجمدة تظل مشروطة بإصدار الأحكام القضائية النهائية التى تؤكد تورط أصحاب الأموال فى جرائم الفساد وإثبات الصلة بين هذه الأموال وجرائم الفساد. من هذا المنطلق، فإن أحكام البراءة التى صدرت فى مصر لصالح مجموعة من رجال نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك يمكن أن تؤثر سلبا على عملية استرداد الأصول.
وفى جميع الأحوال هناك 3 سيناريوهات فقط لتحديد مصير هذه الأموال، وهى صدور أحكام نهائية تدين أصحاب هذه الأموال (سواء فى مصر أو فى سويسرا) أو التوصل إلى تسوية بين السلطات المصرية وأصحاب هذه الأموال وأخيرا، إنهاء تجميد الأموال فى حالة غياب الأحكام أو الصفقات، مما يعنى ردها إلى أصحابها، وفى جميع الأحوال سويسرا لن تحتفظ بهذه الأموال ولن تستفيد منها بأى شكل.
• ما هى طبيعة التعاون القضائى بين مصر وسويسرا حاليا؟
السفير: عندما أصدر الرئيس الأسبق محمد مرسى الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، اعتبرته السلطات القضائية السويسرية تهديدا لاستقلال السلطة القضائية فى مصر وإشارة إلى تقلبات مؤسسية تجعل من الصعب التنبؤ بمبادئ رسوخ نظام العدالة فى مصر، لذلك أعلنت هذه السلطات استحالة وجود تعاون قضائى مع مصر فى ظل هذه الظروف، أما فى الوقت الحاضر فإن السلطات القضائية المصرية والسويسرية تعمل معا بشكل وثيق.
• صدر ضد الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه حكما نهائيا بالسجن المشدد 3 سنوات وتغريمه 125 مليون جنيه وإعادة 21 مليونا و107 آلاف جنيه أخرى لخزينة الدولة فى قضية الفساد المعروفة باسم (القصور الرئاسية) فهل يمكن لسويسرا رد قيمة الغرامة من أرصدة مبارك وابنه فى البنوك السويسرية؟
السفير: الإجراءات والقواعد السويسرية المنظمة لعملية رد الأموال المهربة، تشترط أن تصدر أحكام نهائية كما قلت تدين أصحاب هذه الأموال بالفساد وتثبت العلاقة بين هذه الأموال وجرائم الفساد. من هذا المنطلق، فإن الحكم النهائى الذى صدر فى قضية القصور الرئاسية هو خطوة مهمة جدا. ولكن لكى تستطيع السلطات السويسرية مصادرة وإعادة الأصول المجمدة الخاصة بعائلة مبارك، فإنها تحتاج إلى إثبات وجود صلة بين الجرائم التى ارتكبت فى مصر وهذه الأصول. ويوجد فى البنوك السويسرية حسابات لـ20 شخصية مصرية تم تجميدها بمن فيهم أفراد من عائلة الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وإثبات أن أموال هذه الشخصيات المجمدة فى سويسرا مرتبطة بجرائم فساد، وهى مهمة ليست سهلة فى كل الأحوال. كما أن البت فى هذه المسألة من اختصاص السلطات القضائية لدينا (مكتب النائب العام).
• وقعت سويسرا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبى بشأن تبادل البيانات المصرفية تلقائيا بهدف الحد من عمليات التهرب الضريبى، فهل يمكن للدول النامية الاستفادة من هذه الآلية خاصة أنها أشد احتياجا إلى الضرائب المستحقة على ثروات مواطنيها الموجودة خارج أراضيها؟
السفير: اتفاقيات تبادل المعلومات المصرفية لمحاربة التهرب الضريبى التى وقعتها سويسرا مع الاتحاد الأوروبى، هى اتفاقية ثنائية وفى هذه اللحظة تقتصر على طرفى الاتفاقية. ويستند الاتفاق على المعيار العالمى الجديد للتبادل التلقائى للمعلومات وهو يمثل خطوة مهمة فى الوقاية من التهرب الضريبى.
• لكن هل من الوارد توسيع نطاق مثل هذه الاتفاقيات لتشمل دول العالم الثالث وبينها مصر خاصة أن موضوع التهرب الضريبى يمثل هاجسا كبيرا بالنسبة لهذه الدول التى تعانى صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة؟
السفير: بالنسبة لسويسرا هناك اهتمام كبير بمساعدة الدول النامية على تطوير أنظمة ضريبية أكثر كفاءة. ولدينا بالفعل برامج لمساعدة دول إفريقية ليس من بينها مصر فى مجال تحسين كفاءة النظام الضريبى. لقد عرضنا بالفعل على مصر المساعدة فى ملف استرداد الأموال المجمدة وأرسلنا خبيرا إلى القاهرة فى مجال المساعدة القانونية للجانب المصرى.
• كيف ترى السلطات السويسرية الأوضاع الأمنية بالنسبة للسائحين السويسريين فى مصر وسلامة إجراءات التأمين فى المطارات المصرية؟
السفير: نصائح السفر إلى مصر بالنسبة للمواطنين السويسريين لم تتغير بعد حادث تحطم الطائرة الروسية فى سيناء. ومازال السويسريون يأتون إلى مصر ومازالت الطائرات السويسرية تهبط وتقلع فى المطارات المصرية دون أى قيود، لكن بالطبع نحن نتابع موضوع إجراءات التأمين فى المطارات باهتمام لأن الأمر يتعلق بسلامة المواطنين السويسريين الذين يأتون إلى مصر.
• الاستثمارات السويسرية فى مصر قليلة نسبيا، رغم وجود عدد من الشركات السويسرية الكبرى التى تعمل فى السوق المصرية؟
السفير: الإحصاءات تشير إلى أن الشركات السويسرية مستثمرون كبار فى مصر. هناك شركات سويسرية كبرى تعمل فى مجالات استراتيجية مثل نستلة وهيرو فى الصناعات الغذائية وشاندلر وإيه.بى.بى فى الصناعات الهندسية والكهربائية، ولافارج هولسيم فى الأسمنت، كما أن الاستثمارات السويسرية فى مصر هى الأكبر على مستوى إفريقيا وتوفر أكثر من 30 ألف فرصة عمل للمصريين. ورغم الظروف الصعبة التى عاشتها مصر خلال السنوات الخمس الماضية، فإن الشركات السويسرية واصلت عملها فى مصر وتوسعت، كما أن الاستثمارات السويسرية فى مصر من النوع المستديم طويل الأجل وليس من نوع الأموال الساخنة أو الاستثمارات قصيرة الأجل الباحثة عن المضاربات.
• لكن هل توجد معوقات تحول دون زيادة الاستثمارات السويسرية فى مصر؟
السفير: بالطبع هناك العديد من المعوقات التى تواجه الاستثمارات الأجنبية ومنها الاستثمارات السويسرية فى مصر، أبرزها القيود المفروضة حاليا على تحويل العملات الصعبة إلى الخارج، حيث تواجه الشركات السويسرية العاملة فى مصر حاليا مصاعب فى تمويل احتياجاتها من المواد الخام المستوردة من الخارج وكذلك فى تحويل أرباح نشاطها فى السوق المصرية إلى الشركة الأم فى سويسرا وأنا متفائل بأن هذه المشكلة سيتم التغلب عليها، ويجب أن يظل اقتصاد مصر منفتحا على الاقتصاد العالمى ويسعى إلى زيادة صادراته وجذب المزيد من الاستثمارات للحصول على احتياجاته من العملات الأجنبية بدلا من الانغلاق وفرض قيود على الاستيراد.
• كيف تنظر سويسرا إلى أزمة تدفق اللاجئين من دول الشرق الأوسط إلى أوروبا وبخاصة إلى ألمانيا المجاورة وكيف يمكن لها أن تساهم فى تخفيف المعاناة الإنسانية لمئات الآلاف من اللاجئين؟
السفير: بداية يجب الإشارة إلى حقيقة ان المجتمع السويسرى منفتح على الأجانب الذين يمثلون نحو 25% من إجمالى عدد سكان البلاد، لكن فى الوقت نفسه يجب النظر إلى الأمر من ناحية الأرقام فعدد سكان سويسرا يبلغ 7.8 مليون نسمة تقريبا، وبالتالى فقدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين تظل محدودة. ومع ذلك فسويسرا تبذل كل ما يمكنها من أجل تقديم المساعدات لهؤلاء اللاجئين، مع التأكيد على أن الموقف صعب للغاية سواء بالنسبة لللاجئين أو بالنسبة للدول المستقبلة لهم. وهناك بالفعل جهود كبيرة لمساعدة دول الجوار لمناطق الصراع فى الشرق الأوسط مثل الأردن وتركيا ولبنان من أجل دعمها فى مواجهة تدفق اللاجئين إليها وبخاصة القادمين من سوريا.
الشروق