هناك على بعد 600 كيلو متر شرق العاصمة الليبية طرابلس، سطر القدر تفاصيل ثالث فصول الألم في تاريخ قرية بن جواد، والتي تعيش واقعا مريرا منذ الرابع من يناير الجاري.
القرية التي تقف شوارعها ومبانيها شاهدة على ما عاناه سكانها الذين يتجاوز عددهم 13 ألف نسمة، منذ اندلاع الثورة الليبية، بسبب الحرب الأهلية بين كتائب الثوار آنذاك وكتائب القذافي، لم يمهلها القدر فرصة لتتعافى بعودة سكانها تدريجيا إليها مع منتصف شهر أكتوبر العام 2011، حيث تكررت المأساة ذاتها مع سكان البلدة لثلاثة أشهر من النزوح في مطلع ديسمبر من العام 2014، بعد اندلاع ما عرف بـ«حرب السدرة» بين قوات حرس المنشآت النفطية ومسلحي تابعين لما يعرف بـ«شروق ليبيا».
في الرابع من يناير العام 2016 كتب القدر فصلا جديدا من معاناة «بن جواد»، بعد محاولة مسلحو تنظيم «داعش» مد نفوذهم بالسيطرة على الموانئ النفطية في السدرة، مدعومين بمعنويات مرتفعة إثر سيطرتهم على مدينتي سرت والنوفلية، لتشهد منطقة السدرة أحداثا متسارعة أسفرت عن حرق ستة خزانات من النفط الخام، في بلدة تعتمد على النفط بشكل كامل، وتشكل الصحراء نحو 90% من مساحة أراضيها.
التنظيم الإرهابي وبعد فشله في السيطرة على حقول النفط في السدرة، تراجع إلي قرية بن جواد، ليرتكب العديد من الجرائم الإنسانية بحق سكانها، فقد وقعت القرية تحت حصار «داعش»، لتضربها حالة من الفوضى والتهجير ونقص الأغذية، بحسب روايات النازحين من البلدة لمراسل «الوسط».
«داعش» لم يكتف بالحصار من الخارج، وقرر قطع الاتصالات والإنترنت عن الأهالي، أعقب ذلك حملة اعتقالات طالت 138 من السكان، ومع مرور الأيام بات السكان يواجهون أزمة الحرمان من السلع الغذائية والدوائية الضرورية والوقود.
معاناة سكان بن جواد لا تتوقف عند هذا الحد، إذ قال عدد من الأهالي الذين نجحوا في الفرار من القرية عبر ممرات ترابية وعرة إن مَن يرغب في مغادرة المدينة يجري توقيفه قرب منطقة تعرف بـ«الكسارات». وقال أحد النازحين من بلدة بن جواد لـ«الوسط»: «اضطررت كي أصل إلى بلدة رأس لانوف إلى قطع ما يقرب من 800 كلم، في حين أن الطريق الساحلي لا يزيد على 45 كلم».
وقال مصدر - فضل عدم نشر اسمه - بسبب حساسية الوضع الأمني: «عناصر التنظيم فور وصولهم إلى البلدة في الرابع من يناير سيطروا على مقر التعليم والإذاعة والمجمع الإداري والسجل المدني ومصرف الوحدة فرع بن جواد، وأوقفوا شبكات الاتصالات والإنترنت، وقاموا بتركيب أبراج مراقبة فوق البريد والمجمع».
المستشفى القروي
وأضاف: «استولى التنظيم أيضا على المستشفى القروي وجرى تسليمه إلى شخص سعودي ينتمي إلى داعش، ربما للتكتم على أعداد قتلى التنظيم»، مشيرا إلى مقتل ستة عناصر من «داعش» في اليوم الأول من الاشتباكات، ووصلت جثامينهم إلى المستشفى القروي، وفي اليوم الثاني بلغت الحصيلة ثمانية قتلى، ثم جرى دفن جثامين الـ14 في بلدة النوفلية.
وتابع المصدر قائلا: «طلبوا من سكان البلدة الحضور إلى مسجد منطقة (تاقرفت) يوم الثلاثاء الخامس من يناير الجاري؛ حيث جرت عملية حصر أسماء من يعملون بالدولة، ولا سيّما العاملون بالأجهزة الأمنية وحرس المنشآت النفطية، وطلبوا حضورهم إلى مقر المجمع الإداري (مقر المجلس البلدي)؛ حيث أغلق عليهم الباب، وما زالوا محتجزين حتى الآن، وعددهم 132 مواطنا، بينهم مسنون تصل أعمارهم إلى سبعين عاما، ومنهم مصباح عبدالهادي عبدالله الورفلي وناصر عبدالعالي نصر الحسوني».
وأضاف لـ«الوسط»: «المسجونون يتلقون "الدورة الإسلامية" لمدة عشرة أيام على يد عناصر الحسبة التابعة للتنظيم، حيث طالبوا بانخراط سكان بن جواد في صفوفهم». وقال المصدر نفسه إن التنظيم يستخدم مقر شركة «يوكسل» التركية في أم القنديل مركزا رئيسا له، ويعتمد على المشاة وغالبية عناصره من جنسيات غير ليبية، وينتمي غالبيتهم إلى جنسيات تونسية وسورية وسودانية.
من ناحية أخرى، انتقد عدد من سكان البلدة استمرار الصمت الحكومي على انتهاكات مسلحي «داعش»، خاصة بعد ترويعهم الأهالي بإعدام ثلاثة مجهولين يوم 15 يناير والتمثيل بجثثهم داخل بلدة بن جواد، وسط اعتقاد بأن هؤلاء الضحايا أتي بهم التنظيم من خارج البلدة لترويع السكان بحسب مصادر قبلية محلية لـ«الوسط».
وترجح المصادر أن الشبان الثلاثة هم المخطوفون من الشركة التركية التي تعمل في رصف الطريق الممتد من واحة مرادة و حتى بلدة العقيلة، غير أن رئيس المجلس المحلى السابق لمرادة ويدعي الأمين الأمين، نفى أن يكون من أعدمهم التنظيم من المخطوفين من واحة مرادة، مشيرا إلى أن من بين الثلاثة شخصا أسمر اللون، ولا يوجد شبيه له ضمن العاملين في الشركة.
مصادر أخرى كشفت لـ«الوسط» أن تنظيم «داعش» أفرج عن عشرة من الموقفين قبل أيام، مقابل تسليم بنادقهم أو دفع غرامات مالية قيمتها 1500 دينار ليبي، مشيرا إلى أن التنظيم أعلن عن تحشيد سكان البلدة في ساحة البلدة بهدف «الاستتابة والرجوع عن المبادئ الكفرية»، بحسب تعبير المصدر.