توفى أمس المفكر السوداني حسن الترابي الذي يعده الكثيرين زعيمًا سياسيًّا ودينيًّا، ورائد مدرسة التجديد السياسي الإسلامي، عمل الترابي أستاذًا بجامعة الخرطوم ثم عيَّن عميدًا لكلية الحقوق بها، ثم وزيرًا للعدل، وفي عام 1988 عيّن وزيرًا للخارجية السودانية. كما اختير رئيسًا للبرلمان عام 1996.
أصبح الترابي بعد تخرجه أحد أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وهي تمثل أول حزب أسسته الحركة الإسلامية السودانية، التي تعتنق فكر الإخوان المسلمين.
بعد خمسة سنوات أصبح لجبهة الميثاق الإسلامية دور سياسي أكثر أهمية، فتقلد الترابي الأمانة العامة بها عام 1964، وعمل في ظرف سياسي سيطرت عليه طوائف الأنصار والختمية، وهما يعبران عن الحركة الصوفية ويدعمان حزبي الأمة والاتحادي ذوي الفكر العلماني.
بعد الانقلاب الذي قام به جعفر نميري في عام 1969، تم اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وأمضى الترابي سبع سنوات في السجن، أطلق سراحه بعد مصالحة الحركة الإسلامية السودانية مع النميري عام 1977.
وحينما أعلنت حكومة نميري فرض قوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983، وانقلبت بعدها على جبهة الميثاق الإسلامية ـ حليفتها في السلطة ـ عارض الشعب هذا الأمر بواسطة الإجراءات القانونية؛ مثل حل البرلمان السوداني، وتحولت المظاهرات إلى ثورة شعبية ضد نميري في عام 1985.
وأسس الترابي بعدها بعام الجبهة الإسلامية القومية، كما ترشح للبرلمان، لكنه لم يفز، وفي يونيو عام 1989، نفذ حزب الترابي انقلابًا عسكريًّا ضد حكومة المهدي المنتخبة ديمقراطيًّا، وعُيّن عمر حسن البشير رئيسًا لحكومة السودان.
في عام 1991 أسس الترابي حزب المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، الذي يضم ممثلين من 45 دولة عربية وإسلامية، كما انتخب الأمين العام لهذا المؤتمر.
وقف الترابي ضد التدخل الأجنبي في المنطقة بحجة تحرير الكويت إبان الغزو العراقي عام 1990، مما أدى إلى تدهور علاقاته مع الغرب وبعض الدول العربية. وبسبب اختلافه مع حكومة الإنقاذ حول قضايا، أهمها الفساد والشورى والحريات وحل البشير البرلمان، في أواخر عام 1999، وبعدها أصبح الترابي أشهر معارض للحكومة. إلى أن شكل حزب الموتمر الشعبي في 31 يونيو 2001.
وضم حزب المؤتمر معظم قيادات ثورة الإنقاذ الوطني ورموزها، إلى جانب مسؤولين بالحكومة ممن تخلوا عن مناصبهم. وفي 2001 اعتقل بسبب توقيع حزبه مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية، ثم اعتقل مرة أخرى في مارس 2004 بتهمة تنسيق حزبه لمحاولة قلب السلطة.
يعد الترابي من أشهر القادة الإسلاميين في العالم، ومن أبرز المجتهدين على صعيد الفكر والفقه الإسلامي المعاصرين، وأحد أبرز المنشقين عن أعضاء جماعة الإخوان، حيث ظل الترابي المراقب العام للإخوان حتى عام 1982، رفض وقتها مبايعة عمر التلمساني مرشدًا للإخوان، وانفصل عن الجماعة لرفضه منهج العنف الذي تتبعه، وله كتاب في تفسير القرآن وكتاب في أصول الفقه وكتب كثيرة أخرى في مجالات الإصلاح الإسلامي والسياسة.
في السياق ذاته قال أحمد بان، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية: إن حجم الخلاف بين حسن الترابي والإخوان أكبر من حجم الخلاف التنظيمي، فخلافه مع أفكار الجماعة في معظمها.
وأضاف بان في تصريح لـ«البديل» أن الترابي قدم أفكارًا جديدة تخرج من بوتقة الجماعة, وهو استثناء في عالم السياسة بالسودان، حيث نجح في إحداث تطور سياسي وفكري.
واستبعد بان انضمام حزب المؤتمر الذي أسسه الترابي إلى جماعة الإخوان في السودان؛ لأن تأثيرها ليس قويًّا, واصفًا الترابي بأنه ألقى حجارة كثيرة في بحر أفكار الإخوان، مما أثار العديد من الأزمات بينه وبين الجماعة، مؤكدًا أن الترابي كان له رؤية ضد التنظيم الخاص وضد فكرة العنف، وغيرها من أفكار الإخوان.
واتفق معه في الرأي هشام النجار، الخبير في الشؤون الجماعات الإسلامية، مؤكدًا أن موقف الترابي من الإخوان معروف فكريًّا ومنهجيًّا، وقد طرح في مجالسه الخاصة ولقاءاته ومحاضراته نقدًا حادًّا لأدائهم السياسي ومواقفهم وأسلوب تعاطيهم مع الأحداث، خاصة ما بعد ثورة يناير مرورًا بصعودهم للحكم ثم أسلوب تعاطيهم مع أزمة إسقاطهم من السلطة.
وأضاف النجار في تصريح لـ«البديل» أن الإخوان بطبيعة الحال ناصبوه العداء بانحيازهم لخصمه السياسي عمر البشير؛ لاتباط مصالحهم مع البشير، الذي يستحوذ على السلطة في السودان.
وقال سامح عيد القيادي، المنشق عن الإخوان: إن الترابي كان مراقب الجامعة في السودان إلى عام 1982، وانشق عنها حينما طلب منه عمر التلمساني مرشد الإخوان وقتها مبايعته.
لم يغفر له الإخوان انشقاقه عن الجماعة، وأسسوا تنظيمًا موازيًا لتنظيم الترابي، وكانوا يلتزمون بمعظم أفكار الترابي، لكنه كان أكثر تحررًا، حيث منع وجود التنظيم الخاص، وكان كاتبًا محترفًا، ولم يكن إخوان مصر لديهم رؤية وفكر كالترابي، فقد كان أكثر لباقة في عرض فكرته.
وأكد عيد أن إخوان مصر مستفيدون من موت الترابي، فعلاقتهم مع البشير ممتدة، وهم يريدون أن تكون السودان حديقة خلفية لهم.