أعاد تغيُّر خريطة الشرق الأوسط في الآونة الاخيرة للأذهان مخطط الشرق الأوسط الكبير، الذي أزاحت عنه الستار الوثائق المسربة، والتي تفضح الأهداف الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
لكن التغير الذي يبدو غريبًا لدى الكثيرين هو دخول المملكة العربية السعودية لعبة السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط. فبعد أن كانت اداة لتنفيذ مخططات غربية، نجدها تحاول أن تلعب لمصلحتها. ومن هنا يأتي السؤلان: ما هي أهداف السياسة السعودية في المنطقة؟ وماذا كان هدفها من استقطاب السودان والتلاعب بطموحاتها السياسية ثم التخلي عنها؟
بالتأمل فيما يحدث نجد أن المملكة العربية السعودية تمشي وفقًا لسيناريو محكم وكأنه رواية مكتوبة، بدايتها تمويل تنظيم داعش الارهابي في سوريا؛ للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لكن خطة السعوديين لم تقف عند هذا الحد، إذ قام السعوديون بعد ذلك بمهاجمة اليمن، ثم كانت الخطوة الثالثة في الخطة السعودية، وهي سحب الدول العربية المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش؛ لمساعدتها في حربها ضد اليمن.
وكان من المهم للملكة استقطاب دولة عربية لها ثقل لتحقيق أهدافها، فكانت مصر حاضرة في قلب المخطط السعودي. ولأن مصر تعلم جيدًا جغرافية اليمن وخطورة التدخل بريًّا؛ ساعدت المملكة بحذر، وهنا كان على المملكة أن توسع خطتها، وتضع فصلًا هامًّا في السيناريو الخاص بتحقيق أهدافها؛ لإجبار مصر مرة أخرى على العودة والتنازل.
وكانت تلك الخطوة الهامة عبر التقارب مع السودان، التي بينها وبين مصر نزاعات سياسية؛ بسبب حلايب وشلاتين وبسبب دعم السودان لإثيوبيا في إنشاء سد النهضة. واستطاعت بالفعل المملكة أن تتقرب من السودان، وتمنحها قروضًا ومساعدات كبيرة من خلال اتفاقيات ومعاهدات، كان أهمها تمويل ثلاثة سدود سودانية على نهر النيل الأزرق؛ مما سيضر بحصة مصر في مياه النيل.
وفي مطلع هذا العام قطعت الخرطوم علاقاتها الدبلوماسية مع إيران؛ تضامنًا مع السعودية في مواجهة ما أسمته المخططات الإيرانية، على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها سفارة المملكة السعودية بطهران.
وكأن تلك السياسة كانت تحذيرًا لمصر وتهديدًا لها وسياسة عقابية على موقفها من حرب المملكة في اليمن، الذي لم تؤدِّه كما تمنت المملكة، ونتج عن ذلك عودة المملكة بعلاقات جديدة مع مصر، لكن كان ثمنها تنازل الرئيس المصري عن جزيرتي تيران وصنافير لها وإقامة جسر يربط بين البلدين عن طريق البحر الأحمر.
وكانت تلك الخطوة ضربة كبرى بالنسبة للسودان التي اكتشفت أنها كانت مجرد دمية في يد المملكة؛ من أجل الضغط على مصر وإجبار حكومتها على التنازل عن أراضيها مقابل حفنة من الأموال.
وما زاد من الصدمة السودانية، حسبما جاء في موقع سودان تربيون، أن اللقاء المثير الذي جمع أحد الصحفيين المصريين بوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بالقاهرة، قال فيه الأخير إن المملكة ستساعد مصر في ترسيم حدودها الجنوبية بما يحفظ حقوقها في حلايب وشلاتين، وهو ما اعتبرته السودان خيانة لها، وأن ما حدث بين المملكة ومصر ما هو إلا صفقة كانت ضحيتها السودان التي بلعت الطعم السعودي.
ووسط تلك الصدمة يرى بعض المحللين السودانيين أن المملكة ستفعل مع مصر مثلما فعلت مع السودان، وأن القاهرة أيضًا مجرد طعم وأداة لتنفيذ مخطط أكبر، ولن تستطيع الرياض مساعدة مصر كما وعدت في الاحتفاظ بحلايب وشلاتين.