انعكاساً لحالة القلق والتوتر التي يعيشها نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هذه الأيام، شنّت قوات الأمن المصرية حملة اعتقالات واسعة، استهدفت نشطاء وصحافيين وقيادات عمّالية.
انعكاساً لحالة القلق والتوتر التي يعيشها نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هذه الأيام، شنّت قوات الأمن المصرية حملة اعتقالات واسعة، استهدفت نشطاء وصحافيين وقيادات عمّالية، في محاولة لضرب موعد التظاهر المرتقب في 25 نيسان/أبريل الحالي، استكمالاً لـ"جمعة الأرض"، التي خرج فيها آلاف المصريين، الأسبوع الماضي، احتجاجاً على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وما استتبعها من تنازل مصري عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.
مصادر أمنية ذكرت لـ"المدن" أن حملة المداهمات التي انطلقت باعتقال بعض القيادات الطلابية في جامعات شهدت تظاهرات احتجاجية على "بيع الجزيرتين"، أتت كخطوة لإجهاض التظاهرات المرتقبة، خصوصاً مع تنامي دعوات الحشد والاحتجاج، وهي دعوات مدعومة بغضب شعبي واسع من الطريقة التي جرى بها إخراج مشهد التنازل عن الجزيرتين، وتأكيد السيسي على أنهما لم تكونا أرضاً مصرية، مطالباً المصريين بعدم الحديث في هذا الأمر مرة أخرى.
وكانت جامعات مصرية، على رأسها جامعات القاهرة وحلوان جنوب القاهرة، وطنطا في وسط الدلتا، والاسكندرية، شهدت وقفات احتجاجة وتظاهرات طلابية اعتراضاً على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، اتبعتها قوات الأمن بحملة اعتقالات واسعة في صفوف القيادات الطلابية في الجامعتين.
وأعادت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية الاحتجاجات الطلابية إلى المشهد مجدداً، بعدما أدى القمع الأمني مفعوله في وأد الحراك الطلابي في الجامعات، والذي وصل إلى ذروته خلال العامين الدراسيين الماضيين، وشهد اشتباكات عديدة بين قوات الأمن والطلاب، وتدخلاً من إدارات الجامعات على الخط الأمني، بفصل من تتهمهم قوات الأمن بالتظاهر.
وشهدت الليلة الماضية حملة اعتقالات ومداهمات للمقاهي الواقعة في محيط وسط البلد، والمعروفة بكونها ملتقى وتجمعاً للنشطاء المحسوبين على اليسار والليبرالية والتيار المدني بشكل عام. كما داهمت قوات الأمن عددا آخر من المقاهي ومنازل بعض النشطاء في أحياء مصر الجديدة، وأحياء العجوزة وشبرا وأرض اللواء والعمرانية، وعلى رأسهم الناشط الاشتراكي هيثم محمدين، وعمرو بدر، ومحمود السقا، وعدد آخر من الشباب، بعضهم أخلي سبيله لاحقاً مثل سامح حنين، وبعضهم تنكر الأجهزة الأمنية وجوده لديها من الأساس. وبحسب ما ذكرت مصادر أمنية لـ"المدن"، فإن حملة الاعتقالات الاستباقية مرشحة للتصاعد قبل يوم الإثنين المقبل، في صفوف أنصار التيارات المدنية على وجه التحديد.
وتعكس المداهمات الأمنية قلقاً وارتباكاً في دوائر صنع القرار المصري، حيث يخشى الجميع من تدحرج كرة الثلج، خصوصاً وأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الوقت الحالي يضغطان على الشريحة العظمى من المصريين، بالنظر إلى الارتفاعات المستمرة في سعر صرف الدولار، وما يتبعه من قفزات متوالية في الأسعار، فضلاً عن تزايد الانتهاكات الامنية وتوسعها، وآخرها قتل أمين شرطة بالسلاح الميري لبائعي شاي، طالباه بثمن كوب اشتراه منهما، وهي الحادثة التي استدعت لقاءً أمنيا بين السيسي ووزير الداخلية ومعاونيه، بعدما تجمهر عدد من المواطنين في مكان الحادث وحطموا سيارة الشرطة التي كان يستقلها القاتل.
حملة الاعتقالات جاءت بعد ساعات من نفي غاضب من الرئاسة لخبر منشور في جريدة "الشروق" المصرية، تحدث عن غضب الرئيس من التعامل "الأمني اللين" مع التظاهرات، ورفضه لتكرار مشهد "الجمعة الماضية"، التي شهدت تظاهرات واسعة، خصوصاً أمام نقابة الصحافيين وسط القاهرة.
الحملة الأمنية الحالية، تشبه إلى حد كبير المشهد الذي ساد يومي 27 و27 يناير 2011، حيث كان الهدف منها إجهاض تظاهرة يوم "جمعة الغضب"، إلا أنها لم تأتِ على ما كان يهوى الرئيس السابق حسني مبارك، فاقتحم المتظاهرون مقرات الشرطة وأحرقوها، وحطّموا سياراتها، ما أدى إلى فراغ أمني واسع استدعى نزول الجيش لتغطية انسحاب الشرطة.
لا تبدو الرؤية واضحة بشأن التعامل الأمني مع التظاهرات يوم الاثنين المقبل، لكن المؤكد حتى الآن أن السلطات المصرية لن تسمح بتكرار التظاهرة الماضية، وفق قاعدة أن السماح بتظاهرات آمنة سيفتح الباب على مصراعيه أمام جماهير غاضبة تعاني استقطاباً سياسياً حاداً، وضغوطاً اجتماعية واقتصادية، وعودة الناس إلى الشارع هو آخر ما قد يرغب به النظام، فيما يعد المتظاهرون نجاحهم في الحشد والتظاهر خلال "جمعة الأرض"، بمثابة إسقاط فعلي لقانون التظاهر، واكتساب مساحة جديدة في الشارع والمجتمع قضموها وانتزعوها بشراسة، ولن يتخلوا عنها بسهولة.