يغادر الاف الافارقة بلدانهم هربا من الفقر والحروب وعدم الاستقرار السياسي والتقلبات المناخية. كثير من هؤلاء يضطرون لبيع ما يملكون او ما يملك اباؤهم لتمويل رحلة السفر.
رحلة السفر غالبا ما تكون برية طويلة وشاقة ومحفوفة بالمخاطر. من الكاميرون والنيجر والسينغال ودول اخرى يهرب مهاجرون من جحيم حياتهم اليومية وكلهم امل في تحقيق حلم كبير بالاستقرار والعيش في امان كباقي البشر. الوجهة المقصودة لكل هؤلاء هي اوروبا.
خلال رحلة العبور الأولى لدول افريقية يتعرض مهاجرون لمخاطر متنوعة فمنهم من يسقط في ايدي عصابات متخصصة تستولى على اموالهم وتعنفهم وتقتلهم في بعض الاحيان ومنهم من تتخلى عصابات تهجير البشر عنهم وسط الصحاري بعد الاستيلاء على كل ما يملكون من اموال وزاد ليموتوا جوعا وعطشا.
يقصد معظم المهاجرين الناجون من رحلة العبور الاولى المغرب وليبيا لقربهما من القارة الاروبية. فالمغرب مثلا لا تفصله الا 14 كلم عن مضيق جبل طارق. بينما الحدود المغربية الاسبانية عبر معبري سبتة ومليلية المحتلتين متلاصقة.
العبور من المغرب الى اسبانيا عملية ليست بالسهلة فهي تمر عبر الاسلاك الشائكة بالمعبرين او البحر عبر ركوب ما يسمى بقوراب الموت.
مهاجرون أفارقة ماتوا وهم يحاولون تسلل الاسلاك واخرون وهم كثيرون قضووا غرقا عند ركوبهم البحر.
مئات الافارقة يموتون سنويا في البحر المتوسط اثناء محاولاتهم الوصول للضفة الاوروبية. وقد دقت منظمات متخصصة وعلى رأسها المنظمة الدولية للهجرة ناقوس الخطر بخصوص تنامي الظاهرة دون ان تحدد المسؤولين عن حدوث الفظاعات.
اما المسؤول الأول عن الفظاعات التي تعرض مهاجرون افارقة في البحر المتوسط بحسب متخصصين في قضايا الهجرة فهي عصابات تهريب البشر وقد حان الوقت لفتح تحقيق دولي حول جرائم هذه العصابات فهي مسؤولة مسؤولية اولى عن غرق هؤلاء. ويجب ان تنصب جهود المجتمع الدولي والدول المعنية بالهجرة بايجاد السبل الكفيلة لردع هذه العصابات بوسائل القانون.
مآسي المهاجرين كانت وراءها ايضا سياسة للهجرة غلب عليها الطابع الأمني سواء سياسات الاتحاد الاروبي او بعض الدول الافريقية التي وقعت اتفاقيات مع الاتحاد لمراقبة الحدود والحد من تدفق المهاجرين نحو اوروبا.
وقد حاول الاتحاد الاوروبي خلال القمة الاوروافريقية التي انعقدت في مدينة فاليتا بمالطا في نوفمبر 2015 ايجاد حلول لمعالجة اسباب الهجرة غير الشرعية من دول أفریقیا إلى الاتحاد الأوروبي. وتبين من خلال توصيات القمة بان الاتحاد لا زال يراهن على المقاربة الامنية للحد من الظاهرة حيث تبنت القمة توصية تؤكد على ضرورة تكثيف التعاون الأمني بين الاتحاد والدول الأفريقية للمساعدة في ضبط الحدود وتفكيك شبكات المتاجرين بالبشر.
كما ان التشريعات الاوروبية الحالية المتعلقة بعمليات الاعتراض البحرية لا زالت تشوه في نظرنا الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان لصالح الأغراض الأمنية الداخلية لدول الاتحاد، وتعرض للخطر حياة المهاجرين واللاجئين في البحر.
لقد ظلت دول الاتحاد الأوروبي، تجمع بين قضايا الهجرة والأمن معا، من خلال اعتبارها المهاجرين خطرا أمنيا. فهذه الدول وضعت استراتيجيات كرست تنصلها من التزاماتها الدولية خاصة ما يتعلق ببروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة تهريب المهاجرين الذي أوصى به في يونيو 2012 فريق العمل التابع للأمم المتحدة المعني بتهريب المهاجرين " وهو البروتوكول الذي يعطي الأولوية للحفاظ على حياة وسلامة المهاجرين اثناء عمليات اعتراض سفن تهجير البشر.
وقد أدى انتشار عمليات 'فرونتكس' قبالة سواحل غرب أفريقيا، وجزر الكناري، وفي البحر الأبيض المتوسط إلى إرغام المهاجرين على تغيير مساراتهم، والإقدام على رحلات محفوفة بخطر أكبر لتفادي اكتشافهم، وبالتالي فهم يجازفون بحياتهم لتفادي المراقبة الاوروبية.
ولعل التعاون مع دول من خارج الاتحاد الأوروبي كالمغرب وموريتانيا والجزائر علامة واضحة على أن الأولوية هي لدفع أناس "غير مرغوب فيهم" أي المهاجرين غيرالشرعيين بعيدا عن دول الاتحاد.
نظن جازمين بان هناك حاجة ملحة اليوم لتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالهجرة عن طريق البحر، فاستمرار حدوث وفيات في البحر مؤشر مأساوي على عدم فاعلية مراقبة حدود الاتحاد الأوروبية البحرية الخارجية ويتطلب توضيح مسؤوليات وكالة فرونتكس بحيث يمكن محاسبتها قانونيا عندما تحدث انتهاكات في إطار عمليات تنسقها أو تنفذها.
كما ان التعاون في عمليات الإنقاذ مع الدول غير الأعضاء في الإتحاد يجب ان تركز عندما تتعرض حياة الأشخاص في البحر للخطر على ضمان انقاذهم وحمايتهم وإنزالهم في اماكن آمنة على أراضي الاتحاد الأوروبي. كما يجب الإمتناع عن احتجاز المهاجرين عند إنزالهم وعدم نسيان أن الاحتجاز لا يمكنه ان يكون الا حلا أخيرا كما نص على ذلك القانون الدولي .
بالنسبة لدول العبور كالمغرب فهي مطالبة بعدم اللإنصياع لإملاءات الاتحاد الاروبية وبنهج سياسة تمكن من ادماج جزء من المهاجرين في بلدانها.