عاد الحديث مجددًا عن أزمة عديمي الجنسية في الكويت، والذين يعرفون باسم «البدون»، لاسيما مع حدوث الكثير من التطورات التي تخصهم في الفترة الأخيرة، بدءًا من إصدار قانون بتجنيس عدد منهم، وصولًا إلى تصريحات وزير خارجية جزر القمر، يشأن استعداد بلاده لاستقبال “البدون”.
حيث قال الوزير عبد الكريم محمد، خلال افتتاحه سفارة جزر القمر بالكويت: “جزر القمر مستعدة لاستقبال البدون، في حال طلب الحكومة الكويتية منَّا ذلك رسميًّا؛ باعتبارها دولة شقيقة، ولدينا علاقات متينة ووطيدة تزداد نموًّا يومًا بعد يوم”، موضحًا أن “بلاده لم توقع على شيء”، ولكنه أكد أن “جزر القمر على استعداد للتعامل مع هذا الأمر مثلما تعاملت مع دولة عربية أخرى في السابق، وننتظر ما سيتم لاحقًا”.
وكان وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة الكويتي، اللواء مازن الجراح، قد أكد في تصريحات صحفية في 2014 التوجه لمنح فئة “البدون”، الذين لا يمتلكون وثائق رسمية في البلاد، جواز سفر لدولة جزر القمر مقابل منافع مالية ستقدمها بلاده لتلك الدولة الفقيرة، الأمر الذي أثار جدلًا في حينه، ووصفها البعض بأنها مجرد محاولة لتخلص المسؤوليين الكويتين من مشكلات البدون، التي طالما فشلوا في حلها على مر السنوات الماضية.
وقبل هذا التصريح بأيام أصدر مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) قانونًا يسمح للحكومة بمنح الجنسية لعدد لا يزيد على 4000 شخص سنويًّا من البدون، غير أن ناشطين حقوقيين وقانونيين كويتيين قللوا من أهمية التشريع الجديد في حل قضية البدون، واعتبر هؤلاء الناشطون أن إقرار القانون مجرد “لعبة انتخابية” لكسب أصوات الناخبين الذين لديهم أقارب من “البدون”، مشيرين إلى أن هؤلاء الناخبين عددهم كبير، مطالبين الحكومة الكويتية باتخاذ حل جذري لهذه القضية الإنسانية، التي لا تزال عالقة دون حل منذ أكثر من نصف قرن.
والبدون أو غير محددي الجنسية في الكويت هم فئة سكانية تعيش منذ وقت في هذا البلد، ولا تمتلك الجنسية الكويتية. ويعتبر مصطلح البدون تعبيرًا مختصرًا بين عموم الناس في الخليج؛ للتدليل على فئة اجتماعية غير محددة الجنسية، تنقسم إلى قسمين: الأول يشمل من لا يحملون جنسية من أي دولة أخرى، وكانوا متواجدين في الكويت منذ القدم، لكن لظروف ولأسباب معينة لم يتم تجنيسهم، وهؤلاء معظمهم كانوا يخدمون في سلكي الجيش والشرطة قبل إقدام العراق على غزو الكويت سنة 1990، والقسم الثاني يشمل من ينتمون إلى دول إقليمية أخرى، لكنهم أخفوا كل الوثائق القانونية التي تثبت أنهم ليسوا عديمي الجنسية؛ كمحاولة لاكتساب مميزات المواطنين فى تلك الدولة. ولكن الدولة الكويتية لم تكن قادرة على التفريق بين القسمين، فشرعت في اتهام الجميع بإتلاف أوراق هويتهم الأصلية للتمكن من الاستفادة من الامتيازات التي تقدمها الدولة الغنية بالنفط.
وأزمة «البدون» في الكويت ترجع إلى ما قبل غزو العراق، وتحديدًا في ثمانينيات القرن الماضي. فعلى الرغم من أن الدولة الكويتية كانت تتعامل مع هذه الفئة منذ قانون الجنسية عام 1959 على أنهم أمر واقعي في البلاد، حيث تم انخراط الكثير منهم آنذاك في السلك العسكري بالجيش والشرطة وفي الوظائف الحكومية الأخرى، فضلاً عن أنه كان يتم تمييزهم في التعامل من قِبَل الدولة عن الجنسيات العربية الأخرى المقيمة في البلاد، وتم بالفعل تجنيس عدد منهم خلال تلك الفترة، إلا أنه مع دخول الغزو العراقي للكويت بدأت المشكلة، حيث أظهرت تقارير أن هناك عدة أسباب أفرزت المشكلة، ومنها اتهام بعض البدون داخل الكويت بعدم الولاء للبلاد وانتمائهم لصدام حسين إبان حرب الخليج.
كما اتُّهِم بعض الوافدين من مختلف الجنسيات العربية وغير العربية بالتعمد في إخفاء مستنداتهم، مدعين انتماءهم إلى فئة البدون؛ وذلك للاستفادة من الامتيازات التي كان يتمتع بها أفراد هذه الفئة، فكان من الواضح ازدياد أعداد المنتسبين إليها بشكل ملحوظ؛ مما أدى إلى تغير سياسة الحكومة تجاه معالجة القضية.