تشهد العلاقات الجزائرية المغربية تقارب حذر خلال الفترة الحالية، توج بلقاء نادر لم يعتده مسؤولو البلدين، بعد توتر سياسي يعود لعشرات السنوات جراء اختلاف وجهات النظر في أزمة الصحراء الغربية المغربية، إذ تعتبر الجزائر أن للبوليساريو “الجبهة الشعبية لتحرير إقليم الصحراء الغربية” الحق في الاستقلال عن المغرب، بينما ترى الأخيرة أنه لا غنى عن الإقليم، وعلى أقصى تقدير قد يحق للإقليم عمل استفتاء لحكم ذاتي تحت سلطة الحكومة المركزية المغربية.
واعتبر مراقبون اللقاء المغربي الجزائري بادرة قد تكون مؤشرا على تحول في العلاقات بين البلدين، حيث تعد الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول مغربي رفيع إلى الجزائر منذ 22 عاما، وجمع اللقاء رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، مع ناصر بوريطة، الوزير المنتدب للشؤون الخارجية والمبعوث الخاص لملك المغرب محمد السادس، وتمحور حول العلاقات الثنائية، كما سمح بتبادل وجهات النظر حول التحديات التي تواجهها إفريقيا والعالم العربي، وتم التركيز خلاله على الأمن الإقليمي، لا سيما مكافحة الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة، والمسائل المتعلقة بالهجرة وإشكالية التنمية.
وحضر اللقاء عن الجانب الجزائري وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية عبد القادر مساهل، والمستشار لدى رئيس الجمهورية الجزائرية المكلف بالتنسيق بين أجهزة الأمن، عثمان طرطاق، وعن الجانب المغربي، مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات «المخابرات» ياسين المنصوري، وسفير المغرب بالجزائر، عبد الله بلقزيز.
ويؤكد اللقاء أن هناك ملامح لرغبة ثنائية بتنحى الخلافات جانبًا، لاسيما ملف الصحراء الغربية؛ لتعزيز التعاون الأمني، حيث تشير أغلب التقارير إلى أن اللقاء الذي انعقد بالجزائر كان في إطار أمنى بحت، وأكد الأمر الرسالة التي بعثها ملك المغرب محمد السادس عبر الوزير المنتدب لدى وزارة خارجيته إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قائلًا فيها: «أننا في ظرفية سياسية واقتصادية وأمنية جد صعبة على المستوى الإقليمي والدولي تتطلب التعاون».
رسالة الملك محمد السادس تعني أن هناك مبادرة مغربية ترى أن بقاء الوضع على ما هو عليه فيما يخص طبيعة العلاقات الثنائية المغربية الجزائرية ووصولها إلى مفترق طرق في بعض الأحيان أمرا غير موضوعي، بل إن واقع الحال يقتضي تحركا دبلوماسيا وأمنيا يستوعب حجم التحديات، ويبحث عوائد سياسية وتعاون أمني من خلال تفاهمات ممكنة لصالح الطرفين.
واكتسب اللقاء أهمية لدى وسائل إعلام المغرب والجزائر؛ كون حضور المسؤولين على مستوى مخابراتي، كما تزامن مع صدور تقرير أممي سربت منه تحذيرات من خطر تقدم تنظيم داعش الإرهابية في المنطقة المغاربية، في ظل مؤشرات على قرب القضاء على التنظيم في ليبيا وفرار مقاتليه منها.
وأوضح تقرير أعدته الأمم المتحدة أن هناك إمكانية لسعي مقاتلي تنظيم داعش لتشكيل قواعد جديدة في منطقة شمال إفريقيا تهدف إلى استقطاب المزيد من المقاتلين، مع إمكانية التنسيق مع تنظيمات متطرفة أخرى تنشط بين الساحل والصحراء، لكن يبدو أن هذه التهديدات استدعت وضع اعتبارات سياسية وعسكرية وأمنية للمغرب والجزائر من دون استبعاد تونس للتعاون في مجابهة التنظيمات المتطرفة، في مقابل تنحي الخلافات جانبا في ذلك الوقت لتكوين جبهة مشتركة لمحاربة الإرهاب.
وجاءت قراءات الخبراء متقاربة حول زيارة الوفد المغربي للجزائر بشأن حجم التهديدات الأمنية، التي باتت تهدد المنطقة المغاربية من قبل داعش، وهو ما ذهب إليه الباحث الجزائري في العلوم السياسية، الدكتور بوحنية قوي، الذي أكد في تصريحات لسي أن أن: “التهديدات الأمنية ومنها خطر داعش يمثل حقيقة اتجاها راديكاليا من شأنه أن يحتم تكثيف التواصل الأمني”، كما أتجه الباحث المغربي الدكتور عبد الإله السطي، إلى نفس الأسباب، موضحا أن التحديات الأمنية التي يجابهها البلدين، لاسيما مكافحة الجريمة الدولية المنظمة والمشاكل المترتبة عن الهجرة غير الشرعية، سيسمح للبلدين في تجاوز حالة الجفاء التي تطبع العلاقة الدبلوماسية بين البلدين منذ سنين عديدة.
وتتزامن الزيارة المغربية في الوقت الذي تتحرك فيه الدبلوماسية المغربية مع مجموعة من البلدان الإفريقية الفاعلة لعودة مقعدها بالاتحاد الإفريقي، ونظرا للدور المحوري للجزائر داخل الاتحاد الإفريقي، فالمغرب تسعى لاستمالة الجزائر بما تقتضيه التقاليد الدبلوماسية أن تكون شريكا في استعادة الرباط لمقعده داخل الاتحاد الإفريقي، لكن هذا الأمر استبعده كثيرون نظرًا لأن مطالبة المغرب للمقعد جاء مرافقًا بدعوة لعزل جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي وهو ما ترفضه الجزائر حتما.