هنا حركة دؤوبة بين مطار نواكشوط الدولي ومقار الضيافة في العاصمة الموريتانية نواكشوط، فقد بدأت الوفود الوزارية العربية تقاطرها على نواكشوط، وهناك، خلايا نحل داخل وخارج قصر المؤتمرات حيث من المقرر بعد غد الأحد عقد قادة الدول العربية على مدى يومين، لدورتهم العادية السابعة بعد العشرين لمجلس الجامعة.
وقد وضعت موريتانيا قضية الأمن في مقدمة أولوياتها في تحضيرها استضافة هذه القمة، حيث فرضت أجهزة الأمن الموريتانية إجراءات أمنية بالغة التشدد في محيط العاصمة نواكشوط وما حولها، وضربت مصالح الجيش والشرطة والدرك طوقا أمنيا حول المدينة، وأغلقت جميع الطرق والمنافذ المؤدية لمقر المؤتمر، ولمواقع إقامة كبار الضيوف، ومنعت وقوف السيارات في الطرق المحيطة بقصر المؤتمرات.
وبهذا التشديد الأمني غير المسبوق، تبعث موريتانيا، على ما يبدو، رسائل لطمأنة ضيوفها، كما تبدد المخاوف التي قد تحد من مشاركة الزعماء العرب في هذه القمة التي لم يعرف من سيحضرها وإن تأكد غياب كل من الرئيس التونسي باجي قائد السبسي الذي أناب عنه وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس المشغول بوفاة شقيقه والذي أناب عنه هو الآخر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي.
وينتظر أن يضع وزراء خارجية الدول العربية اليوم السبت لمساتهم الأخيرة على مشروع جدول الأعمال الذي سيقدم للقمة والذي يتألف، حسبما أكده لـ «القدس العربي» مصدر من الأمانة العامة للجامعة، من ست عشرة نقطة بينها التقرير المرفوع إلى القمة عن نشاط هيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات، وكذا تقرير الأمين العام الذي يتناول مسارات العمل العربي المشترك.
ومن ضمن النقاط المدرجة في مشروع جدول الأعمال القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ومستجداته، وتطورات الأزمة السورية وتطورات الوضع في ليبيا والأوضاع في الجمهورية اليمنية.
ومن النقاط المدرجة كذلك، دعم جمهورية الصومال الفدرالية في استعادة مؤسساتها، وخطة تحرك السودان لتنفيذ استراتيجية خروج بعثة «اليوناميد» التابعة للأمم المتحدة من إقليم دارفور، إضافة لقضية احتلال إيران للجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، هذا فضلا عن التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، واتخاذ موقف عربي موحد إزاء انتهاكات القوات التركية للسيادة العراقية.
ويتضمن مشروع جدول أعمال هذا اللقاء أيضا مواضيع صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب، وتطوير أداء جامعة الدول العربية، والعمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك، وتعيين أمين عام جديد للجامعة العربية، وموعد ومكان عقد الدورة العادية الـ 28 لمجلس الجامعة. وبخصوص القضايا المطروحة على القمة، أكد وزير الشؤون المغاربية والافريقية والعربية الجزائري عبد القادر امساهل في تصريح صحافي أدلى به لدى وصوله إلى نواكشوط فجر الجمعة «أن قمة نواكشوط قمة تاريخية لمواجهة الأوضاع في فلسطين القضية الجوهرية بالنسبة للعرب، ولا بد، يضيف امساهل، من اتخاذ خطوات جديدة تضمن استعادة الحقوق الشرعية للإخوة الفلسطينيين».
وأشار إلى «أن القمة فرصة للقادة العرب، للتشاور حول قضايا عربية أخرى مثل الوضع في ليبيا وبعض مناطق الشرق الأوسط ولتبادل الآراء حول تهديدات الأمن مثل الإرهاب الذي أصبح يهدد أمن واستقرار بلداننا، بالإضافة لإصلاح المنظومة العربية وإصلاح الجامعة العربية».
وأضاف الوزير الجزائري «أنه أمام تطور العالم فإن على العالم العربي التأقلم مع ما يجري من صراع جيو استراتيجي، مبرزا «الأولوية التي توليها الجزائر لإيجاد حلول لمجمل النزاعات العربية».
وفيما كان الارتياح يعم موريتانيا لوجود أجواء مناسبة لانعقاد القمة، عكرت الأجواء أمس تصريحات أدلى بها وائل أبو فاعور وزير الصحة اللبناني لقناة «الجديد» اللبنانية وأكد فيها، اعتمادا على معلومات نقلتها مفرزة سباقة زارت نواكشوط أن الوفد اللبناني برئاسة تمام سلام سيضطر للنوم في المغرب بدل نواكشوط ليلة انعقاد القمة بسبب عدم امتلاك موريتانيا لضيافات مناسبة ونظيفة تستوفي الشروط الصحية والبيئية ولأن موريتانيا لا تملك البنيات اللازمة لاستضافة القمة مما جعلها تضطر لعقد القمة في خيمة».
فقد أثارت هذه التصريحات غضب الموريتانيين مسؤولين ومواطنين عاديين واعتبروها سخرية من موريتانيا وتعكيرا لأجواء القمة. وكتبت عشرات التدوينات الغاضبة من تصريحات الفاعور والتي اعتبر كتابها «أن نواكشوط أنظف من بيروت التي شهدت مؤخرا حملة شعبية تحت شعار «طلعت ريحتكم».
وفيما تواصل الحكومة الموريتانية شد الأحزمة لاستضافة القمة، واصلت أحزاب المعارضة الموريتانية على هامش ذلك، إصدار بيانات النصح للقادة العرب. وفي هذا السياق أكد حزب اتحاد قوى التقدم، وهو أحد أنشط أحزاب المعارضة الموريتانية في بيان وجهه للقادة العرب أمس وتوصلت «القدس العربي بنسخة منه، «أن القضية الفلسطينية التي هي القضية المركزية للعرب، تمر الآن بأخطر مراحلها حيث تعمل إسرائيل والداعمون لها من قوى الشر على تهويد القدس والأرض الفلسطينية على مرأى ومسمع من العالم وكأن العرب لا يسمعون ولا يبصرون» .
وأعرب الحزب عن أمله في «أن تولي قمة نواكشوط اهتماما خاصا بهذه القضية يتناسب مع المرحلة الخطيرة التي تمر بها»، مؤكدا «أن نشوب الطائفية والمذهبية بين الشعوب، خطر داهم ونار يوقدها الآخرون ليشغلونا عن القضايا المصيرية ؛ فلقد تعايش الشعب العربي تاريخيا مع هذه الاختلافات الدينية التي توحدها كليات كبرى ولا تختلف إلا في التفاصيل». وذكر اتحاد قوى التقدم في بيانه «الزعماء العرب وهم يعقدون قمتهم السابعة والعشرين في إحدى عواصم المغرب العربي، أن عليهم العمل وبشكل فعال ومبتكر على حل أهم مشكلة يعيشها هذا الجزء من الوطن العربي، ألا وهي مشكلة الصحراء الغربية، هذه المشكلة التي تعيق، حسب تأكيدات الحزب، الاندماج والوحدة بين دول وشعوب المنطقة».
واعتبر الحزب «أنه لا يجوز للعرب إهمال قضية الصحراء لكونها قضية عربية بامتياز ومصيرية، ولها تأثيرها على العمل العربي المشترك، والتي قد تؤدي إلى تطورات خطيرة» .
وتوقف حزب اتحاد قوى التقدم في بيانه عند قضية الإرهاب فأكد «أن الإرهاب الأعمى من أخطر المشاكل التي يعيشها عالمنا لما للإرهاب من تأثير على الاستقرار والتنمية، إلا أن حل هذه المشكلة يكمن أساسا – حسب تصور الحزب – في توفير العدالة والديمقراطية والمساواة والحكم الرشيد، فذلك مطمح الشعوب العربية، وبحصوله ينتفي الكثير من التذمر والاحتقان، وإذ ذاك يمكن للوسائل الأخرى الأمنية وغيرها أن تجدي نفعا في علاج هذه الظاهرة الغريبة».
«لسنا بحاجة، يضيف الحزب، إلى تذكير القادة العرب بأهمية إفريقيا كسند أثبت نجاعته وأهميته للأمة العربية، ينبغي العمل الدائم على تقويته وتعزيز الروابط بين العالمين العربي والإفريقي، وقد لعبت موريتانيا بحكم موقعها الجغرافي وتركيبتها البشرية دورا بارزا في هذا الميدان «. ودعا الحزب في الأخير القادة العرب «للتفكير جديا في إصلاح جامعة الدول العربية بما يتلاءم مع المتطلبات الراهنة».