كيب تاون العاصمة الثانية لجنوب افريقيا والتي تسحر الالباب بجمال طبيعتها وبصفاء محيطيها لم تكن الشمس حارقه ولكن على العكس الاجواء كانت باردة والامطار ظلت ليومين تصطدم بالتراب فتنفض عنه الغبار.
في كيب تاون وفي منطقة النبيذ (الواين اريا) منتجع يمتد لعشرات الكيلومترات وفي منتصفه مجموعة من الاكواخ البيضاء التي جعلت الوفود الفلسطينية التي وصلت المكان تفكر بحساب التكلفة لكل كوخ ودون استثناء ابدو اعجابهم بها رغم بساطتها من الخارج وفخامتها من الداخل.
اللقاء بين ممثلي حماس وفتح وباقي الفصائل اتسمت بالدفئ الذي يجعلك تتساءل مباشرة ان كنتم خلف الكوليس تحتضنون ايدي بعضكم البعض فلماذا في العلن تصدرون للجمهور الخلاف وتمنحون الوسائل الاعلامية المتربصة فرصة كي ترقص على صراعاتكم التي لا تتجاوز المصالح الضيقة.
كافة الذين وصلوا الى كيب تاون بدعوة من منتدى فلسطين للحوار كانوا يستحثون الخطى لظنهم ان هذا اللقاء سيفتح آفاقا لمصالحة فلسطينية تنهي عقدا اصطبغ بالدم الفلسطيني وبالخلاف على مصالح ضيقة.. الجديد في اللقاء حجم مشاركة فلسطيني الداخل والذين وصلوا الى عشرين مشاركا من كافة الاحزاب والمشارب.
جلسات اللقاء قادها مسؤولون من جنوب افريقيا من بينهم مستشار الرئيس الجنوب افريقي لشؤون الشرق الاوسط ابراهيم ابراهيم والسفير الجنوب افريقي لدى السلطة الفلسطينية اشرف سليمان.. الاجتماعات التي استمرت لاربعة ايام متواصلة ناقشت المصالحة الفلسطينية وضرورة التوصل اليها في ظل استغلال الاحتلال الاسرائيلي لحالة الصراع المستمرة من خلال عملية التهويد وفرض الامر الواقع وانهاء حلم الدولة الفلسطينية المستقلة والذي يرتبط بمخيلة كل فلسطيني.
البند الاهم على جدول الاعمال كان اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ففي الوقت الذي قدم اهم الشخصيات في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه امام المشاركين في المؤتمر استعراضا لتاريخ منظمة التحرير وما طرأ عليها من تغيرات في السنوات الاخيرة كذلك كان لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتيه مشاركة فيما يتعلق بالمنظمة والعلاقة المتشابكة ما بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وكيف تحولت منظمة التحرير من الكل الجامع الى الجزء الذي ينتظر دعما من الجزء الذي اصبح يتجاوز الكل بقدراته وامكانياته والمقصود هنا السلطة الفلسطينية.
حركة حماس والتي مثلها مسؤول العلاقات الخارجية فيها اسامة حمدان اعتبرت بان الحل الامثل هو باعادة الاعتبار لمنظمة التحرير عبر التجديد في شرعيتها من خلال اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني والذي لم يجتمع منذ العام ١٩٩٥ وعدد لا باس به من اعضاءه اصبحوا في العالم الاخر.. حمدان اعتبر بان الحل الامثل لاعادة الحياة لمنظمة التحرير بدعوة الاطار القيادي للمنظمة للاجتماع وتحديد موعد لانتخابات المجلس الوطني والذي بدوره سينتخب قيادة جديده للمنظمة وهذا سيضمن انضمام حركتي حماس والجهاد الاسلامي.
من جهته اعتبر نائب الامين العام للجبهة الديمقراطية لمنظمة التحرير قيس عبد الكريم بان حلولا كثيرة مطروحة لتجديد شرعية منظمة التحرير في حال تعذر تحديد موعد انتحابات للمجلس الوطني من خلال ومن بينها التوافق بين الفصائل الفلسطينية على ضم ممثلين عن الهيئات والاتحادات في المناطق التي يستحيل فيها اجراء انتخابات للمجلس الوطني.
الملف الثالث الذي تصدر الملفات في كيب تاون كان ملف الخطاب الفلسطيني وتجديد هذا الخطاب ليتوافق مع المتغيرات التي يشهدها الاقليم والعالم.. فكرة تطوير الخطاب الفلسطيني كانت محل اجماع بين ممثلي الفصائل الفلسطينية وممثلي الاحزاب الفلسطينية من المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ وكما رأى عدد من الاعلاميين الفلسطينيين الذين شاركوا في اللقاء فان الرواية الاسرائيلية رغم زيفها وكذبها الا انها تجد آذانا صاغية في انحاء العالم بينما الرواية الفلسطينية والتي تحمل الحق الفلسطيني غير قادرة على تجاوز محيطها العربي والاسلامي.. حركة حماس وكذا الجبهتين الشعبية والديمقراطية شددوا على ضرورة ان يحمل الخطاب لفلسطيني الجديد الحق بالمقاومة بكافة اشكالها مادام الاحتلال الاسرائيلي يحتل الارض ومادام مستوطنوه يسيطرون على الارض الفلسطينية ويتوسعون فوقها.
الجديد في هذه اللقاءات صوت فلسطينيي العام ١٩٤٨ والذين مازالوا يتمترسون فوق ارضهم ويواجهون العنصرية الاسرائيلية والتي ترى بهم خطرا ديمغرافيا داهما في ظل حالة الارتباط الكامل بين هؤلاء وعمقهم الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع.. كافة الاحزاب العربية في المناطق المحتلة عام ٤٨ كانت حاضرة بجيلين جيل القيادة المتقدمة والجيل الشاب الذي رغم محاولة الاسرلة التي عملت عليها تل ابيب لسنوات طويلة تثبت في عدة مواجهات انه مشبث بارضه وبقضيته.. فلسطينيو العام ١٩٤٨ حاوروا اشقاءهم من منطلق انهم جزء لا يتجزء من القضية الفلسطينية رغم اختلاف ظرفهم.
اللقاءات بين الفلسطينيين في جنوب افريقيا ستستمر في الاشهر المقبلة في محاولة لاعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ومن المفترض ان يكون اللقاء المقبل في كيب تاون نهاية تشرين اول المقبل.