رغم توقيع قوى المعارضة السودانية منذ أسبوع على خارطة الطريق التي وضعتها الوساطة الإفريقية لإقرار السلام في السودان، والتي كانت الحكومة السودانية موقعه عليها منذ خمسة أشهر، عاد الحديث مجددًا عن فشل الحوار السوداني بين الحكومة والمعارضة المنعقد بأديس أبابا وتجددت الاتهامات المتبادلة بين الجانبين بوضع العوائق لانهيار جولة المفاوضات الجديدة.
وشاركت خلال الأسبوع الماضي بجانب الحكومة السودانية أحزاب وحركات المعارضة السودانية فيما يعرف بتحالف «نداء السودان»، ويضم هذا التحالف الذي تأسس في ديسمبر 2014 حركات مسلحة تقاتل الحكومة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، إضافة إلى أحزاب سياسية مثل حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي والحركة الشعبية قطاع الشمال، وحركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، ومجموعة قوى المستقبل للتغيير.
وتتضمن خارطة الطريق التي قدمتها الوساطة الإفريقية إجراءات لوقف العدائيات، تمهد لوقف دائم لإطلاق النار، والترتيبات الأمنية في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وإيصال المساعدات الإنسانية، والحل السياسي، والحوار الوطني.
في المقابل كانت الحكومة السودانية وقعت منفردة على هذه الخارطة، التي قدمها الوسيط الإفريقي ثابو مبيكي قبل أشهر، حيث امتنع تحالف «نداء السودان» عن توقيعها قبل تضمينها مطالب قدمها بشأن إحلال السلام، من ضمنها عقد اجتماع تحضيري يضم كل قوى المعارضة مع الحكومة في الخارج؛ لتهيئة الأجواء للحوار في الداخل عبر عدة خطوات، تشمل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإطلاق الحريات العامة، وتشكيل آلية مستقلة لإدارة الحوار الوطني، إلا أن هذه المطالب كانت من أحد الأسباب التي عارضتها الحكومة في الحوار، وأدت أيضًا إلى فشله.
واتهم المفاوض الرئيسي للحكومة السودانية إبراهيم محمود المعارضة بإفشال الحوار قائلًا، بعد العودة من محادثات السلام في أديس أبابا، إن محادثات السلام فشلت لغياب الجدية لدى الجماعات المسلحة في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مضيفًا أن السبب الرئيسي لانهيار المفاوضات هو طلب المتمردين أن يجري، بعد وقف إطلاق النار، إيصال المساعدات إلى مناطق المتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق عن طريق جسر جوي من إثيوبيا وجنوب السودان وكينيا، متابعًا أن الوفد الحكومي يرفض ذلك تمامًا.
من جانبها اعتبرت المعارضة الحكومة السودانية غير معنية بالسلام، وقال متحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان: “المحادثات فشلت لأن الحكومة لم ترد السلام… قدمنا تنازلات كبيرة، لكن الحكومة ظلت مصممة على مواقفها، ولم ترغب في التنازل عن أي شيء”، مضيفًا أن المتمردين كانوا قد طلبوا الحصول على بعض المساعدات من خارج السودان، لحرمان الحكومة من القدرة على عزلهم مثلما فعلت في مناسبات سابقة في دارفور.
وأظهر الحوار السوداني خلافات جوهرية بين المعارضة والحكومة حول مسار التفاوض السياسي، حيث تطالب المعارضة بإطلاق سراح الأسرى، لكن ترفض الحكومة حتى إدراج هذا الأمر ضمن أجندة النقاش، وبينما تطالب الحكومة بالحصول على مواقع قوات الحركات المسلحة بالإحداثيات الجغرافية، ترى الجماعات المسلحة أن ذلك يعرض قواتها لخطر الغارات الجوية؛ لغياب الثقة بين الطرفين، و لعدم التزام الحكومة بأي وقف لإطلاق النار في السابق.
تصر الحكومة على اعتماد وثيقة الدوحة لسلام دارفور، وترى المعارضة أن وثيقة الدوحة يمكن أخذها في الحسبان عند مخاطبة جذور الأزمة، ولكن لا يعتمد عليها, بينما تطالب المعارضة بأن تقوم اليوناميد بدور آلية المراقبة وتنفيذ وقف إطلاق النار، لكن ترفض الحكومة هذا المقترح.
ولم يكن بحسب المتابعين فشل جولة التفاوض السودانية الأخيرة أمرًا مستغربًا؛ كون هذا الأمر تكرر في العامين الماضيين، إذ شهدت العاصمة الإثيوبية أكثر من اجتماع للفرقاء السودانين دون نتيجة تذكر، وهو ما يشير إلى فشل العملية السلمية بأسرها بحسب الكاتب السوداني المعارض أحمد حسن آدم الذي أكد أن المرحلة التفاوضية لن تنجح في تحقيق أي تسوية سياسية حقيقية توقف الحروب بالسودان؛ لتجنبها مصير الانهيار والتمزق.
وحول الأسباب أكد آدم أن النظام السوداني حتى هذه اللحظة لم يتخذ قرارًا استراتيجيًّا بالحل السياسي والسلمي للأزمة الوطنيّة، فوفقًا لرؤية وسجل ممارسات الحكومة السودانية فإن المفاوضات هي عملية لإلهاء المعارضة عن الزمن والميدان لممارسة تكتيكات واستعراض العلاقات العامة، وفرصة سانحة لتضليل الرأي العام الإقليمي والدولي، بادعاء الحرص على السلام والحل السياسي للأزمة، مؤكدًا أن الحكومة تحاول من خلال المفاوضات شق صف المعارضة واستقطاب المعارضين عن طريق الاتفاقات الجزئية القائمة على عروض الاستوزار والتوظيف والمنافع المادية.
وأكد أن هناك أسبابًا واقعة على المعارضة أيضًا، مشيرًا إلى أن الطريقة التي وقعت بها قوى المعارضة «قوى إعلان باريس» على وثيقة خريطة الطريق، من دون أي ملحق أو تعديل في بنودها السبعة، بعد أن رفضتها لشهور، شجعت وأغرت الحكومة لرفع سقف مواقفها التفاوضية وشروطها التعجيزية التي تهدف إلى استسلام المعارضة.
واضاف أن المعارضة ما زالت منقسمة، وغير فاعلة وعاجزة عن صناعة البديل المناسب للحكومة بالقدر الذي يجعل الشعب السوداني بكل مكوناته يلتف حولها كممثل أوحد له، يسعى لانتزاع حقوقه، ويحقق تطلعاته المشروعة في الحرية والسلام والعدالة، متابعًا “صحيح هناك محاولات وجهود عديدة بذلت لتوحيد كيانات القوى المعارضة، إلا أنه لا تزال هنالك أزمة ثقة وضعف في وحدة الوجدان والأوليات والأهداف بين مكوّناتها. فكيان نداء السودان ما زال هشًّا في منظومته”.