حكومة جديدة في تونس أعلن عن تشكيلها الرئيس المكلف يوسف الشاهد، السبت، تعد تحولًا في المشهد السياسي التونسي بأكمله بعدما خلفت حكومة الحبيب الصيد التي سحب منها البرلمان الثقة في 30 يوليو الماضي إثر انتقادات كبيرة، حيث ضمت في طياتها الكثير من الشبان والنساء، وتكونت من 26 وزيرا و14 كاتب (وزير) دولة، وينتظر أن تعرض على البرلمان لنيل الثقة في غضون 10 أيام.
وأبقى الشاهد على 7 وزراء من حكومة الحبيب الصيد، في نفس مناصبهم وهم وزراء الداخلية والدفاع والشؤون الخارجية والنقل والسياحة والتجهيز والتربية.
ولأول مرة تضم الحكومة التونسية في تشكيلتها أغلب الأحزاب والمستقلين، حيث تعد الأكثر تمثيلا من حيث عدد الأحزاب المشاركة فيها منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وفي مسعى لخفض التوتر الاجتماعي مع النقابات، عين الشاهد قياديين سابقين بالاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي، وزيرين في حكومته هما محمد الطرابلسي، للشؤون الاجتماعية، وعبيد البريكي، للوظيفة العمومية.
ثلث المقاعد للنساء
ومن الشواهد الجديدة في الحكومة التونسية هو تعيين ثلثها من النساء، حيث عين الشاهد ماجدولين شارني، 35 عاما، وزيرة للشباب والرياضة حاصلة على شهادة مهندس معماري من المدرسة الوطنية للهندسة والتعمير، وتم تعيينها كاتبة دولة مكلفة بملف الشهداء وجرحى الثورة في حكومة الحبيب الصيد.
كما عين سميرة مرعي، 53 عاما، وزيرة للصحة والتي كلفت بخطة وزيرة المرأة والأسرة والطفولة في حكومة الحبيب الصيد، وهي طبيبة وأستاذة مشاركة في قسم أمراض الرئة في كلية الطب بتونس، وعين هالة شيخ روحو، 44 عاما، وزيرة للطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، والتي شغلت قبل ذلك العديد من المناصب الهامة على المستوى الدولي، وتحمل شهادة الأستاذية في المالية من المدرسة العليا للدراسات الاقتصادية في تونس، والماجستير من جامعة مونريال بكندا.
الأبرز على مستوى النساء هو تعيين لمياء الزريبي، 55 عاما، وزيرة للمالية، الحائزة على شهادة ختم الدروس بالمرحلة العليا للمدرسة الوطنية للإدارة وعلى الإجازة في العلوم الاقتصادية اختصاص تخطيط، كما تم تعيين نزيهة العبيدي، وزيرة للأسرة وحقوق المرأة والطفولة، وهي حاصلة على إجازة في التعليم وأستاذية في اللغات الحية وماجستير في التعليم من السوربون، بالإضافة إلى تعيين سلمى اللومي، وزيرة للسياحة، وعملت سابقا أمينة مال حزب “نداء تونس”، ومدير عام لشركات تعمل في الصناعة الكهربائية والغذائية والفلاحية، وهي تحمل شهادة الماجستير في التصرف.
وعين الشاهد فاتن قلال، كاتبة الدولة للشباب، والتي تخرجت من جامعة قرطاج وباريس دوفين، وشغلت منصب مستشارة في العديد من المكاتب الدولية الموجودة في تونس، كما تم تعيين سيدة لونيسي، 29 عاما، كاتبة الدولة للتكوين المهني، وهي حاصلة على إجازة في التاريخ وماجستير في العلوم السياسية من جامعة السوربون، وهي نائبة عن حركة النهضة في مجلس نواب الشعب.
تركيبة الحكومة
الحكومة التونسية الجديدة تعد الأكثر تمثيلًا للأحزاب، حيث حظي فيها “نداء تونس” (67 مقعد في البرلمان) بـ4 حقائب وزارية، هي النقل والسياحة والخارجية والتربية، في حين كان لها 3 كتاب دولة جدد، فيما كان نصيب حركة النهضة (69 مقعدا) 3 حقائب وزارية هي الصناعة والتجارة، والتكوين والتشغيل، وتكنولوجيا الاتصال، و3 كتاب دولة، وكان نصيب حزب “آفاق تونس” وزيري الصحة، والتنمية المحلية والبيئة، وكاتبي دولة “الشباب والنقل”، كما ضمت الحكومة قياديين سابقين في الاتحاد العام التونسي للشغل، فيما تم تسجيل غياب عضو الائتلاف الرباعي الذي قاد حكومة الحبيب الصيد السابقة، حزب الاتحاد الوطني الحر.
وصرح الشاهد للصحفيين يوم تكليفه بتشكيل حكومة الوحدة بقوله: “هذه الحكومة ستشتغل على البرنامج الذي جاء مع وثيقة قرطاج مع التركيز على 5 أولويات أساسية، أولا كسب المعركة ضد الإرهاب، ثانيا إعلان الحرب على الفساد والفاسدين، ثالثا الرفع في نسق النمو لخلق الشغل، رابعا التحكم في التوازنات المالية (العامة للدولة)، وخامسا مسألة النظافة والبيئة”.
التحديات
كل الأحاديث والتقارير المحلية في تونس تؤكد أن الشاهد يواجه مهمة صعبة وهي محاولة لملمة المطبات السياسية التي وقعت فيها الحكومات السابقة، كما النهوض باقتصاد البلاد المتعثر؛ وهي المهمة التي فشل فيها 5 رؤساء حكومات تعاقبوا على هذا المنصب في البلاد منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
وتباينت توقعات الكثير حول نتائج تشكيل هذه الحكومة بين من يؤكد أن جميع الفرص متاحة أمام حكومة الشاهد لتكون استثناء من حكومات سالفيه، وأن أمامها فرصا حقيقية للنجاح بالنظر إلى أن تمتلك وثيقة جاهزة للعمل على تطبيقها، وكذا لأنها لا تعتمد في تشكيلتها على المحاصصة الحزبية في الدرجة الأولى، بل على الكفاءة؛ وهي أيضا تشارك فيها النقابات العمالية إلى جانب الأحزاب السياسية، وبين من يرى من الجانب الآخر أن احتمال نجاح الحكومة المقبلة في المهمة ضعيف، وخاصة في ظل استشراء الفساد وارتفاع نسب البطالة واختيار شخصية غير توافقية “الشاهد” لا تتمتع بخبرة سياسية كبيرة ومن أوساط مقربة من الرئيس تتحفظ عليها أحزاب المعارضة.
وعلى الأرجح، لن يجد يوسف الشاهد صعوبة في الحصول على ثقة البرلمان لتمرير حكومته؛ لكن بعض التونسيين يرون أن ظروفهم الاقتصادية والسياسية تجعل هذه الحكومة حكومة الفرصة الأخيرة، حيث هناك تحديات كبرى سيكون علي رئيس الحكومة المكلف مواجهتها، فبالإضافة إلى الوضع السياسي والأمني الهش؛ يترتب على تونس سداد ديون خارجية كبيرة في العام المقبل ورفع حجم واردات البلاد المتهاوية وتخفيض نسب البطالة المتفشية بين الشباب والاستجابة إلى المطالب الكثيرة بتحسين الظروف المعيشية وتسوية أوضاع ألوف العمال الذين ألحقت إضراباتهم المتكررة خلال الفترة الماضية ضررا بالغا بالاقتصاد.
وأعلن الشاهد أنه سيشن حربا لا هوداة فيها على الفساد؛ لكن وعوده الجريئة هذه قد تصطدم بواقع استشراء الفساد في مفاصل الدولة، وهو ما يشكل تحديا كبيرا وتهديدا حقيقيا لنجاح حكومته وبقائه على رأسها.