لم تكد مراسم عملية استلام وتسليم السلطة في تونس، تنتهي في أجواء عكست تقدما في الممارسة الديمقراطية في ما يتعلق بالتداول السلمي على السلطة، حتى باغتت عناصر إرهابية مسلحة المتابعين لتلك المراسم بشن هجوم عنيف على وحدات عسكرية في غرب البلاد، خلف في حصيلة أولية ثلاثة قتلى وسبعة جرحى في صفوف الجيش التونسي.
وترك هذا الهجوم الإرهابي، الذي لم تنته تفاعلاته الميدانية بعد، حالة من الصدمة بين الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية وكذلك أيضا الشعبية في تونس، كما بعث برسائل متعددة في اتجاهات مختلفة، جوهرها أن ملف الإرهاب داهم بمخاطره وتحدياته، وسيفرض إيقاعه ووقعه على حكومة يوسف الشاهد. وفيما كان رئيس الحكومة التونسية الجديد يوسف الشاهد يتسلم السلطة رسميا من سلفه الحبيب الصيد، أعلن العقيد بلحسن الوسلاتي، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية، عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة سبعة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في هجوم إرهابي نفذته، الاثنين، عناصر مسلحة ناشطة في منطقة جبل سمامة من محافظة القصرين بغرب تونس غير بعيد عن الحدود الجزائرية.
وأوضح الوسلاتي أن هذا الهجوم بدأ بانفجار مجموعة من الألغام المضادة للمدرعات استهدفت تشكيلة عسكرية تقوم بتأمين أشغال تعبيد الطريق بجبل سمامة من محافظة القصرين، ثم قامت بعد ذلك عناصر إرهابية مسلحة باستهداف التشكيلة العسكرية بقذائف صاروخية مضادة للدروع من نوع “آر بي جي” وقنابل يدوية، إلى جانب الأسلحة الرشاشة. ولم يقدم العقيد الوسلاتي المزيد من التفاصيل حول هذا الهجوم الإرهابي “النوعي” بالنظر إلى توقيته وحجم الخسائر البشرية التي خلفها، حيث اكتفى بالإشارة إلى أن الاشتباكات بين وحدات الجيش التونسي والعناصر الإرهابية، تواصلت “لتعقب العناصر المصابة من المسلحين الذين حاولوا الاقتراب من العربات العسكرية لتفجيرها كليا”، على حد تعبيره. ومع ذلك، اعتبر الجنرال أحمد شابير، المدير السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية التونسية، أن القراءة الأولية لما تسرب من معلومات حول هذا العمل الإرهابي الذي وصفه بـ”الجبان”، تذهب باتجاه “الكمين العسكري المُحكم”، وليس مجرد هجوم مُسلح.
وقال لـ”العرب”، إن التكتيك المتبع ونوعية السلاح المستخدم خلال هذا العمل الإرهابي، يؤكدان أن الإرهابيين نصبوا كمينا للتشكيلة العسكرية التابعة للجيش التونسي، اختاروا فيه المكان والهدف والتوقيت بدقة، وهو ما يجعله حمّالا لرسائل عسكرية وأمنية وأخرى سياسية، يتعين على الأطراف المعنية مباشرة بها العمل على تفكيك مغزاها في أسرع وقت ممكن”. وليست هذه المرة الأولى التي يضرب فيها الإرهاب غرب تونس، حيث تنشط في جبالها المحاذية للحدود مع الجزائر عناصر إرهابية تقول السلطات الأمنية التونسية إنها تنتمي إلى كتيبة عقبة بن نافع الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم داعش.
ولكن توقيت هذا الكمين المُسلح يحمل بين طياته أكثر من مغزى ورسالة موجهة للداخل التونسي، والخارج بحسب الجنرال أحمد شابير الذي شدد في تصريحه لـ”العرب” على أن أبرزها موجه إلى يوسف الشاهد، الذي أكد في بيانه الحكومي على أن كسب معركة الإرهاب هو أحد أهم أولويات حكومته. ودعا الجنرال شابير إلى عدم التسرع في الإعلان عن انتصارات كبيرة في مواجهة الإرهاب الذي قال إن طريق القضاء عليه مازالت طويلة وتستدعي استراتيجية واضحة وإمكانيات مادية ولوجيستية هائلة، إلى جانب تضافر جهود الجميع لتفادي انعكاساته الخطيرة على القطاعات الحيوية في البلاد.
وعلى وقع هذا العمل الإرهابي، بات واضحا أن حكومة يوسف الشاهد بدأت تخضع لأول اختبار أمني بأبعاد سياسية واقتصادية لجهة تحديد وجهة السير في اتجاه خوض المواجهة المفتوحة مع الإرهاب، أو سلوك طريق يزاوج بين الاهتمام بأولويات المرحلة القادمة التي تبدأ بالتصدي لهذه الآفة، ومواجهة بقية التحديات الأخرى الناتجة عن الأزمات المتلاحقة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وتسلمت حكومة يوسف الشاهد مهامها رسميا من حكومة تصريف الأعمال برئاسة الحبيب الصيد خلال موكب رسمي عقد، الاثنين، بقصر الضيافة بقرطاج بحضور العديد من الشخصيات السياسية من رؤساء حكومات سابقة ورؤساء أحزاب وقيادات حزبية. وألقى رئيس الحكومة المتخلي الحبيب الصيد كلمة هنأ فيها رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد وأعضاء حكومته بنيل ثقة مجلس نواب الشعب (البرلمان)، بأغلبية مريحة، حيث صوت لصالحها 168 نائبا من أصل 195 حضروا الجلسة، فيما تحفظ خمسة آخرون ورفض أغلب نواب المعارضة (22 نائبا) التصويت لصالحها.
ورغم أن الصيد اعتبر في كلمته أن الوضع الأمني في تونس كان عند تسلمه السلطة يمر بمرحلة هامة ومفصلية، حيث شهدت البلاد عمليات إرهابية كانت لها انعكاسات سلبية، فإن رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد اكتفى بشكر رئيس الحكومة المُتخلي الحبيب الصيد على كل ما قدمه للبلاد وطمأنه على تونس ومستقبلها، لافتا في نفس الوقت إلى أن “الثورة تبقى منقوصة إذا لم تنجح حكومته في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية”. وبين عبارات الشكر وما رافقها من محاولة الطمأنة على مستقبل البلاد، يبدو جليا أن ما حدث هذه المرة في غرب البلاد يختلف عن كل المرات السابقة، حيث وصلت رسالة الإرهابيين إلى يوسف الشاهد واضحة لا لبس فيها، وهي رسالة تم اختيار توقيتها بدقة بهدف استعادة الأجواء التي أخذت تونس إلى ما وصلت إليه نتيجة تراكم الملفات الكبيرة التي باتت تتزاحم أمام يوسف الشاهد الذي عليه أن يدرك أنه من دون وجود إرادة سياسية لاتخاذ القرارات الحاسمة، فإن الأمور قد تتفاقم أكثر فأكثر لتصل إلى المربع الذي يخشاه الجميع.