محيط

Open in new window
إذا كانت الحدائق والمنتزهات قبلة المحتفلين بالأعياد إلا أن عمال مصر اختاروا شارع قصر العيني وبالتحديد مبنى البرلمان المصري ليكون مقرا لاحتفالهم الخاص بعيد العمال الذي يوافق أول مايو من كل عام.

فبدلا من قضاء يوم راحة سعيد وسط أسرهم، قرر آلاف العمال التوجه لمجلس الشعب ليبكوا سوء حظهم وتردي أحوالهم لترتفع صرخاتهم سواء من البطالة أو التشريد أو تدني الأوضاع المالية أو التعسف الإداري وأخيرا من اشتعال الأسعار للدرجة التي يعجزون أمامها من توفير أدنى حد من متطلبات المعيشة.

فما بين معوقين يبحثون عن فرصة في الحياة وعمال بالقطاع الخاص والمؤسسات الحكومية وضحايا عمليات الخصخصة تتنوع فئات المخنوقين أمام ساحة البرلمان والذين زاد اعتصام بعضهم على أكثر من شهر.

ولا أمل لهؤلاء إلا في انتظار الفرج الذي يتوقعونه في تدخل مباشر من الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي يؤكد دوما على انحيازه لصالح الفقراء ومحدودي الدخل والذي من المتوقع أن يدلي في غضون ساعات بحديث إلى الشعب بمناسبة عيد العمال.

ويضع هؤلاء المعتصمون عدة مطالب تبدو مشروعة وبسيطة للغاية وتتمثل في وضع حد أدنى للأجور يتناسب مع ظروف الحياة الطبيعية، لا الكريمة، وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين والتي كانت على رأس البرنامج الانتخابي الذي وضعه الرئيس مبارك قبل 5 سنوات لدى عودة ترشحه للرئاسة.

وكذلك التصدي لموجة الغلاء الفاحشة التي تجتاح البلاد والتي رفعت سعر كيلو اللحم لأكثر من 60 جنيها (حوالي 11 دولار أمريكي).

في غضون ذلك تتحدث دوائر إعلامية عن قرب هبوب رياح تعديلات وزارية لامتصاص حالة الغضب الشعبي الآخذة في التصاعد ربما تطيح برئيس الحكومة د. احمد نظيف نفسه بعدما فشلت سياساته في احتواء كثير من الأزمات وبات التظاهر والاعتصام الطريق الوحيد للباحثين عن حقوقهم.

والأمر الملاحظ في هذه الأحداث التجاء المحتجين إلى جدران "البرلمان المصري" الذي بات أشبه بحائط المبكى لكل من يعاني وذلك في نقلة نوعية ذات دلالة حيث كان المتظاهرون يجدون في نقابة الصحفيين التي لا تبعد سوى مئات الأمتار للتنفيس عما يعانونه، فطوال نحو أكثر من شهر لم يشهد شارع القصر العيني الذي يقع فيه المجلس أجازة ولو ليوم واحد من موجة الاعتصامات المظاهرات التي تراوحت ما بين الساخنة والمشتعلة.

وبات أمرا طبيعيا مشاهدة عربات الأمن بصورة تشبه الثكنات العسكرية من أول مبنى رئاسة مجلس الوزراء وعلى طول الطريق الممتد حتى مقر البرلمان بصورة تعيد للأذهان ساحة "هايد بارك" التي تخصصها بريطانيا للمحتجين، وتتنوع العناصر المشتركة في هذه الاحتجاجات ما بين معاقين يبحثون عن فرصة للحياة سواء بالحصول على فرصة عمل أو شقة تأويهم.

إضافة إلى عمال تعرضوا للاضطهاد أو حالمين برفع أجورهم، أما الفئة الثالثة فتضم المنشغلين بالهم السياسي والباحثين عن الحرية والمطالبين برفع حالة الطوارئ التي تعيشها مصر منذ نحو 30 عاما.

وتشير المعلومات إلى ظاهرة جديدة باتت تدفع المواطنين للانضمام إلى تلك المظاهرات من دون أن يحركها قوى سياسية أو تيارات ذات مصالح كما كان يحدث في أيام سابقة، فأصبح أمرا عاديا أن ينضم رجل الشارع العادي لهذه المظاهرات حتى ولو لم تكن له قضية محددة يدافع عنها أو يطالب بها، فكل من يشعر بضيق الحال أو تغلق في وجهه أبواب الرزق أو يعجز عن تدبير احتياجاته المعيشية يجد نفسه مدفوعا بشكل تلقائي للانضمام إلى تلك المظاهرات.

ولا يجد رجال الأمن بدا من التحلي بسياسة ضبط النفس أمام تلك الاحتجاجات حتى لو تعرضوا لاحتكاكات من جانب المواطنين، وهو ما بدا واضحا خلال تظاهرات شباب حركة "6 أبريل"، فرغم أنه كان من المعتاد أن يبدأ رجال الأمن بتفريق هذه التجمعات بالقوة، لاحظ المراقبون سياسة النفس الطويل التي حاولت الشرطة التحلي بها.

الأمر الذي دفع بعض نواب البرلمان مثل نشأت القصاص وأحمد أبو عقرب للدخول في حلبة المزايدات السياسية بأن عاتبوا وزير الداخلية على عدم اللجوء لإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وهو ما أثار حالة غليان كبيرة بين الحقوقيين أجبرت الأعضاء على سحب تحريضهم على قتل المتظاهرين.

وهو ما دفع أيضا وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي للتصريح بأنه أعطى أوامره لرجال الشرطة بممارسة أقصى درجات ضبط النفس في مواجهة تلك الاحتجاجات، كما دفع د. احمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، لوصف هذه المظاهرات بأنها خير دليل على تطبيق الديمقراطية بشكلها الكامل على أرض مصر، وإن كان بعض النواب لم يتحمل هذه الجرعة من الاحتجاجات مثل النائب عبد الرحيم الغول الذي اشتبك مع المحتجين ووجه لهم شتائم لاذعة عندما تعالت هتافاتهم على أبواب البرلمان.

وأيا ما كان الأمر فإنه مما لا شك فيه أن الواقع الاجتماعي والسياسي المصري شهد تغييرا وحراكا لا رجوع فيه، ولعل أبسط ما يترجم هذا الاعتقاد تلك الهتافات التي رددها المتظاهرون والتي تعبر عن مقدار الخنق الذي بات الملايين يرزحون أسفله ومن بينها "يا نظيف يا نظيف بيتنا من غير ولا رغيف" في دلالة على أن الكثيرين باتوا لا يجدون الخبز الحاف ليأكلوه.


الخبر السابق - الخبر التالي تحضير للطباعة أرسل هذا الخبر إنشاء ملفpdf من الخبر
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع

أخبار أخرى

  • 2021/12/20 10:46:03 وفد مساعدي أعضاء الكونجرس الأمريكي يشيد باجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر
  • 2021/12/12 6:43:20 وفد من جنوب السودان يصل إلى الخرطوم لبحث تنفيذ اتفاق البرهان وحمدوك
  • 2021/12/7 6:45:24 اليوم.. مصر تحتضن مؤتمرًا دوليًا لمواجهة التغيرات المناخية
  • 2021/12/1 10:56:01 بعد قليل.. فتح الطيران المباشر بين مصر والسعودية
  • 2021/11/30 10:50:04 برلمانية: معرض إيديكس 2021 رسالة ردع لكل من يحاول تهديد أمن مصر
  • 2021/11/30 10:47:31 عضو «السيادة السوداني» يبحث سبل حل قضية شرق السودان
  • 2021/7/18 5:24:27 «تطورات خطيرة».. السودان يكشف انخفاض مياه الأزرق لـ 50% بسبب سد النهضة
  • 2021/7/18 5:14:46 مصر سترصد الفضاء بثاني أكبر تلسكوب في العالم
  • 2021/2/13 11:24:06 إثيوبيا تمارس "الاستيطان الإسرائيلي" وينقصها الشجاعة لإعلان الحرب
  • 2021/2/13 11:20:57 مصر تنتظر توضيح مواقف إدارة بايدن من قضايا الإقليم
  • 2021/1/13 8:18:25 تصفية أشهر وأعرق شركة تأسست في عهد جمال عبد الناصر
  • 2020/12/29 4:53:31 الجيش المصري يستعد في شمال سيناء
  • 2020/12/28 9:06:31 على أعتاب الاكتفاء الذاتي في سلعة استراتيجية
  • 2020/12/27 7:21:04 السيسي: اتفاق سد النهضة يجب أن يكون ملزما ويحفظ حقوق مصر
  • 2020/12/13 8:50:00 يغلق معبر أرقين الحدودي مع مصر
  • 2020/12/12 11:18:08 715 مليون يورو تمويلات فرنسية إلى مصر.. وهذه تفاصيلها
  • 2020/12/6 6:31:09 البعثة الأممية في ليبيا تعلن نتائج التصويت على مقترحات آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة
  • 2020/12/6 6:20:50 إقالات ودعوة لـ"يوم غضب" إثر مقتل طبيب بسقوط مصعد معطل
  • 2020/11/30 5:28:26 البرلمان الليبي يدعو لعقد جلسة خاصة
  • 2020/11/30 5:26:54 تسجيل 66 وفاة و1271 إصابة جديدة بفيروس كورونا
  • 2020/11/28 8:12:19 السودان تشيع جثمان زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في جنازة مهيبة
  • 2020/11/25 10:58:44 السيسي: لقاح فيروس كورونا سيكون متوفرا في مصر منتصف العام المقبل
  • 2020/11/23 10:05:05 ماذا يعني انسحاب السودان من مفاوضات سد النهضة؟ خبراء يجيبون
  • 2020/11/18 10:11:06 رئيس وزراء السودان يؤكد الاستعداد للتعاون مع بعثة "يونتامس"
  • 2020/11/17 11:29:29 تبادل إطلاق نيران في ظل وضع ملتبس بالصحراء الغربية وتصعيد بين الجيش المغربي والبوليساري
  • 2020/11/17 11:26:22 صراع الحرب الأهلية يشتد.. محاولات وساطة لوأد النزاع في تيغراي
  • 2020/11/17 11:03:11 بريطانيا تسعى لسحب لقب أكبر مستثمر أجنبى فى مصر من الاتحاد الأوروبى
  • 2020/11/14 10:58:35 مباحثات سودانية - أمريكية في الخرطوم
  • 2020/11/11 7:57:26 إثيوبيون بينهم عسكريون يفرون من القتال في تيغراي إلى السودان
  • 2020/11/11 7:55:21 مجلس الأعمال المصرى اليونانى: استثمارات يونانية فى مصر تخطت المليار يورو