لم تجد عائلة ليبية وسيلة للتعبير عن امتعاضها من حجم انتهاكات حقوقها سوى تقديم طلب إلى وزير العدل الليبي مصطفى عبد الجليل لإسقاط جنسية الجماهيرية عنها، بعد أن قضى والدها بـ"منطق القوة" لا بـ"منطق القانون" 23 سنة من عمره خلف القضبان.
فرب الأسرة صالح سالم أحميد لم يفرج عنه إلا بتاريخ 25/11/2009 بعد أن زج به في السجن في كل تلك الفترة في قضية قتل عام 1986 عانى فيها الأمرين، إذ كان "بريئا" ولم يحظ بمحاكمة عادلة، ولا بإجراءات طعن، ناهيك عن استبعاده من العفو طيلة هذه الفترة، التي "سرقت منه ظلما أعز ما يملك، وهو شباب عمره، وحرمت أسرته من عطفه وحنانه", على حد تعبير عائلته.
وقد نفى الوزير الليبي استلامه طلب العائلة لإسقاط الجنسية، وأوضح للجزيرة نت عدم اختصاصه بالموضوع .
انتهاكات جسيمة
ودعا مصدر مسؤول في جمعية حقوق الإنسان المقربة من سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي معمر القذافي إلى ضرورة التفريق بين قضية الأب والأبناء، وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الجمعية أسهمت في إطلاق الأب أحميد لكبر سنه، إضافة إلى حصول الأبناء على عفو في قضية ميدان الشهداء عام 2007 بتدخل من سيف الإسلام.
وأكد المصدر, الذي فضل عدم ذكر اسمه, تعرض العائلة لانتهاكات حقوقية جسيمة, شملت حرق البيت والمضايقات الأمنية وسحب جوازات السفر. لكن ذلك, في اعتقاد المصدر، لا يبرر التخلي عن الجنسية الليبية، وأكد أن أفراد العائلة في حالة "غضب".
وأكدت العائلة أن الأب ارتكبت بحقه وبحق أسرته مخالفات قانونية مصحوبة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وطالب الأب صالح بفتح تحقيق محايد في قضيته، ورد الاعتبار له وتعويضه، وتوجه عبر الجزيرة نت لوزير العدل الليبي قائلا "لا أريد تعويضا ولا فتح تحقيق" ولكن هل تستطيع أن ترجع لي 23 سنة من عمري لكي أعيشها مع أسرتي؟.
الاعتداء بالضرب
وأوضح الحقوقي المهدي أحميد أن والده حرم من حق الطعن على الحكم الصادر بحقه ليتحصن الحكم ويصبح عنوانا للحقيقة.
كما تعرضت الأسرة لانتهاكات حقوقية جسيمة من الأجهزة الأمنية، بمداهمة منزلها وحرقه والاعتداء بالضرب المبرح على بعض أفراد الأسرة ما تسبب لبعضهم في إعاقات "مستديمة"، وكذا تشريد ما تبقى من أفراد العائلة بسبب عزمهم المشاركة في اعتصام سلمي بميدان الشهداء في 17 فبراير/شباط 2007.
ويقول المهدي للجزيرة نت إنه رغم كل هذه المخالفات والانتهاكات، وقف القانون عاجزا صامتا، غير آبه بحقوق هذا الإنسان وبحقوق أسرته في المطالبة العادلة بفتح التحقيق في قضية الوالد، وكشف الجناة "المعروفين والمرتكبين للجرم، الذين كشفهم فريق من المتحرين، وهم من رجال وأعوان الأمن".
واعتبر ذلك وسيلة لرد الاعتبار لرب الأسرة، وطالب بتعويضه عن فترة سجنه تعويضا عادلا وبفتح تحقيق في مداهمة منزل العائلة والاعتداء بالضرب المبرح على أفرادها.
وشدد على أن مثل هذه المخالفات والانتهاكات تستوجب النظر، وفتح التحقيق فيها، "لكن وبكل أسف ضرب بالقانون عرض الحائط، واكتفي بعرض ملف قضية الوالد على المجلس الأعلى للقضاء، وأصدر قرار العفو عن بقية العقوبة، وجاء هذا القرار بعد انتظار طال 23 سنة"، على حد تعبير المهدي.
انتقادات
وبدوره قال فرج أحميد إن عدم شعور الأسرة بالأمان والعدالة هو الذي بعثها على اتخاذ قرار التخلي عن الجنسية الليبية.
واستغرب في تصريح للجزيرة نت تجاهل السلطات الليبية حل القضية، ورد الاعتبار إلى العائلة، مؤكدا أن أسرته قدمت أجمل صور نضال ليبيا الحديث من أجل الإنسان، واستطاعت أن تضفي شكلا جديدا على المطالبة بالحقوق والإصلاح.
واستهجن الابن في تصريح للجزيرة نت عدم تعاطي جمعية حقوق الإنسان مع ملف القضية، في وقت ساندت فيه هيومان رايتس ووتش العائلة، وقد زارتهم في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وطالت انتقادات الابن فرج المؤسسات الحقوقية الليبية المعارضة في الخارج، ونفى الحصول على ضمانات دولة أخرى للجوء إليها.
وتقول المصادر إن هناك مئات القضايا الحقوقية التي تكشف غياب سلطة القانون في البلاد، أبرزها الحرمان من السفر الذي يطول المفرج عنهم مؤخرا في قضايا "أمن الدولة".