تحولت حركة الاحتجاج والإضراب التي انطلقت، الاثنين، في بعض محافظات منطقة القبائل، إلى أعمال شغب وتخريب توسعت في الساعات الأولى من ليل الاثنين إلى المحافظات المجاورة وحتى العاصمة، حيث أقدم العشرات من الشبان المحتجين على حرق وتخريب العديد من الممتلكات الخاصة والحكومية، وعلى قطع عدة طرقات رئيسية تربط العاصمة بشرق البلاد.
يواصل تجار وحرفيو محافظتي بجاية والبويرة، حركة الاضراب لليوم الثاني على التوالي، احتجاجا على ما أسموه بـ"الإجراءات التقشفية المجحفة الواردة في قانون الموازنة العامة للعام 2017"، تجاوبا مع الحملة الافتراضية الداعية إلى تنفيذ عصيان مدني يبدأ من الثاني إلى غاية السابع من شهر يناير الجاري. وتحولت، ليل الاثنين، العاصمة الجزائرية وبعض المدن في المحافظات المجاورة، إلى بؤر للفوضى والشغب وقطع الطرقات وإضرام النيران، حيث امتدت العدوى في ظرف وجيز إلى عدة أحياء في العاصمة كباش جراح، عين النعجة، عين البنيان، باب الوادي وباب الزوار، فضلا عن مدن في محافظات بومرداس، البويرة وبجاية.
ونقل شهود عيان في اتصال لـ"العرب"، أن الحركة الاحتجاجية تحولت بدءا من الساعات الأولى لليل الاثنين، إلى أعمال عنف وتخريب وقطع للطرقات، وتم الاعتداء على عدة محال خدماتية وتجارية تابعة لمؤسسات ومتعاملين خواص، كما هو الشأن للمتعامل الحكومي للهاتف النقال وشركة "كوندور" للآلات الكهرومنزلية كما تم حرق عدة حافلات ومركبات لنقل المسافرين.
وصرح رئيس جمعية التجار والحرفيين طاهر بولنوار، في اتصال لـ"العرب"، بأن الكثير من المنتسبين إلى تنظيمه لبوا نداء الإضراب قسرا، في ظل التهديدات العنيفة والخشية من استهداف محالهم، وأن عدة حافلات ومركبات ومحال تعرضت للحرق والتخريب بسبب عدم استجابة أصحابها لنداء الإضراب. ودعا المتحدث إلى تلافي القسر والعنف وفرض الرأي بالقوة على الرافضين للإضراب، واتهم ما أسماه بـ"جهات المضاربة والاحتكار بالوقوف وراء الأحداث من أجل فرض سياستهم على أرض الواقع، وتوظيف ورقة قانون المالية لضرب استقرار البلاد، بإثارة الفوضى والاضطرابات الاجتماعية، وتأليب الشارع على الخيارات الحكومية الأخيرة ".
وأفضت المواجهات بين المحتجين وعناصر الأمن في مدينة بجاية إلى سقوط العشرات من الجرحى نقلوا إلى مستشفى خليل عمران بالمدينة، كما تم توقيف حوالي مئة شاب من طرف قوات الشرطة، واقتيدوا للتحقيق معهم في ملابسات الأحداث التي انطلقت شرارتها من بجاية. وتناقل نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، أخبار وصور الاستجابة لدعوات الإضراب في العديد من المدن، على غرار بومرداس، وغرداية وغيرها المعروفة بديموغرافيتها الأمازيغية، علاوة على أعمال العنف والتخريب التي اشتعلت ليل الاثنين بسرعة فائقة، وقام العشرات من الشبان باستهداف الحي الصيني في ضاحية باب الزوار بالعاصمة، واعتدوا على بعض الرعايا والبضائع الموجودة في محلاتهم.
وفيما لا تزال مختلف المؤسسات الرسمية والسياسية تلتزم الصمت تجاه الأحداث المشتعلة، اكتفت الحكومة بتصريحات مقتضبة لوزير الداخلية والجماعات المحلية نورالدين بدوي، أكد من خلالها رفض الدولة لأي انزلاق يستهدف استقرار الأمن في البلاد، ويسعى للصيد في المياه العكرة لافتعال أجواء الخوف والرعب. وأضاف بشأن دعوات الإضراب، أن "الدولة تضمن البعد الاجتماعي وتتحمل مسؤولية التكفل بالفئات الاجتماعية الهشة، وهو ما تكرس في تخصيص غلاف مالي يفوق العشرة مليارات دولار، لدعم المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، والحفاظ على التحويلات السنوية للفئات الفقيرة والمعوزة ". وتابع محذرا "الجزائر تقع في محيط إقليمي متوتر، وهناك أجندات تستهدف استقرار المنطقة، ولا يجب علينا أن نمنح الفرصة لهؤلاء، عبر تحويل المطالب المشروعة إلى قنوات لنقل الفوضى وتوسيعها، وأن وزارة الداخلية تتابع عن كثب الوضع وسيتم التكفل به بكل حكمة".
وذكرت مصادر محلية لـ"العرب"، أن قوات الأمن والدرك في المنطقة، استعانت بتعزيزات جديدة بعد اندلاع الأحداث، وأن من بين الجرحى أفراد من الشرطة، ويتم استعمال الوسائل المشروعة حسب درجة الاحتقان، كما هو الشأن بالنسبة إلى فتح الطرقات الرئيسية الرابطة بين المدن. وتحولت الشبكات الاجتماعية إلى فضاء خصب للتعليق والتحليل، بين "مروج لخطاب السلطة ودور المؤامرات الخارجية والداخلية، وضرورة إجهاض المخططات التي تستهدف أمن واستقرار البلاد"، وبين محذر من مغبة "الانزلاق في دوامة العنف الذي تفضله السلطة لإجهاض مطالب التغيير المشروعة، ومحمّل للسلطة مسؤولية الاحتقان والإمعان في سياسة تفقير الشعب، والدعوة إلى الاستمرار في حركة الاحتجاج السلمي والحضاري والضغط على الحكومة".