شيعت أمس بمقبرة العالية بالعاصمة الجزائرية جنازة رضا مالك رئيس الحكومة الأسبق والناطق باسم الوفد الجزائري المفاوض في مفاوضات إيفيان، التي أفضت إلى استقلال الجزائر، بعد أكثر من 132 سنة من استعمار فرنسي، وذلك بعد وفاته أمس الأول عن عمر يناهز الـ85 من العمر، بعد مرض عضال، وقد ووري التراب في مربع الشهداء بمقبرة العالية، بحضور كبار المسؤولين في الدولة، ورفاق الراحل في السن.
وأرسل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة برقية تعزية قال فيها: «فقدت الجزائر اليوم واحدا من رجالاتها الأعلام وأبنائها البررة، المناضل الكبير والمجاهد والأخ العزيز رفيق درب الكفاح المغفور له بإذن الله تعالى، رضا مالك، صديق الجميع، الذي عمل في صمت ورحل في صمت، ولكن صوته يبقى عاليا مدويا في تاريخ الجزائر» وأضاف الرئيس بوتفليقة في برقية التعزية: «فقد باشر فقيدنا النضال منذ كان يافعا على مقاعد الدراسة ( ) وأبت عليه نفسه وهمته العالية أن يستكين لهذا الواقع المفروض بمنطق النار والحديد والغطرسة والحرمان، فاختار الطريق الصعب وانبرى مع كوكبة من رفاقه الأحرار يذود عن حمى الوطن ويرفع الوعي الثوري إلى مستوى التحدي والمواجهة. « وأشار إلى أن رضا مالك ما إن التحق بالثورة حتى وضع مواهبه وقدراته الثقافية والعلمية في خدمة الدبلوماسية الثورية الناشطة في المحافل الدولية، وكان خير دليل لدى قيادة الثورة باختيار رضا مالك ليكون الباعث الأول لمنبر الثورة ولسان حالها جريدة المجاهد الغراء، التي كانت شواظا من نار أحرق أوراق الاستعمار الدعائية وأزاح الستار عن جرائمه ومخططاته الشيطانية، فضلا عن جهده المتميز ضمن الوفد الجزائري المفاوض للمحتل الفرنسي، عبر المراحل الصعبة التي انتهت باتفاقيات «إيفيان» الشهيرة.
ويعتبر رضا مالك أيضا من الوجوه التي لعبت دورا في بداية التسعينيات عندما كانت الجزائر تغرق في حمام الدم والفوضى، بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية التي فاز بها الإسلاميون، قبل أن تقرر قيادة الجيش إلغاء نتائج الدور الأول من هذه الانتخابات، ويستقيل بعدها الرئيس الشاذلي بن جديد بعد أن حل البرلمان، ودخلت البلاد حالة شغور دستورية.
وقد عين رضا مالك في وقت أول عضوا في المجلس الأعلى للدولة ( الهيئة الرئاسية التي سيرت البلاد من 1992 إلى 1994) ثم اختير لقيادة الحكومة ما بين 1993 و1994 في فترة كان فيها الإرهاب في أوج جنونه، وكان دم الجزائريين يسيل بغزارة، وكانت الدولة على شفا الانهيار، وقال آنذاك مقولته الشهيرة على الخوف على أن يغير موقفه، وهي المقولة التي فسرت تفسيرا ما زال يطارد الراحل حتى اليوم، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يهاجمونه حيا وميتا، بعد أن فسروا أن ذلك التصريح معناه أن الدولة بأجهزتها الأمنية ستقوم بترهيب الشعب، وهو الأمر الذي طالما نفاه رئيس الحكومة الأسبق، شارحا وجهة نظره، بأنه كان يقصد الجماعات الإرهابية التي كانت تذبح الجزائريين، إلا أن أنصار التيار المتطرف مازالوا يحشدون ضده جزءا من الرأي العام، حتى أولئك الذين لم يعايشوا الفترة التي كانت الجزائر فيها جاثمة على ركبتيها وكان الإرهابيون يستعدون للإجهاز عليها، لكن الرجل عاش بسيطا ومات بسيطا، لم تحم حوله لا شبهات فساد ولا جمع ثروات من نهب المال العام، وكانت له العديد من المؤلفات، وأهمها «الجزائر في إيفيان « التي حكى فيها قصة المفاوضات كما عاشها.