بعدما أثارت مبادرة الرئيس التونسي حول المساواة في الميراث جدلا كبيرا يتم الحديث الآن عن إمكان تحويلها لاحقا إلى مشروع قانون قد يتم عرضه على البرلمان، مع احتمال عرضه لاحقا على الاستفتاء الشعبي – في حال تمريره من قبل البرلمان – على اعتبار أن المسألة مازالت موضع شد وجذب بين تيارات عدة في تونس.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي دعا قبل أيام إلى المساواة بين الرجل والمرأة في المجالات جميعها، خاصة في الميراث، مؤكدا أن هذا الأمر لا يتعارض مع الدين، كما أعلن عن تشكيل لجنة مختصة بدراسة هذا المقترح بما ينسجم مع الدستور الجديد للبلاد.
مبادرة السبسي أثارت جدلا داخليا ودوليا، حيث أيدها بعضهم باعتبارها «مبادرة حداثية» ستعزز مكاسب المرأة التونسية، فيما عارضها عدد كبير من رجال الدين، فضلا عن اعتبارها «مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية» من قبل مؤسسة الأزهر، في حين اعتبرها بعضهم كمفتي استراليا مصطفى راشد «رجوع إلى الإسلام الصحيح».
ويدور الحديث حاليا عن إمكان تحويل المبادرة إلى مشروع قانون، ومدى إمكان المصادقة عليه من قبل البرلمان الذي سبق أن رفض مبادرة مماثلة تقدم بها النائب السابق مهدي بن غربية العام الماضي، ولقيت في حينها معارضة شديدة من قبل رجال الدين، فيما اعتبر بعضهم أنها «سابقة لأوانها».
ويقول عبد اللطيف المكّي النائب والقيادي في حركة «النهضة»: «لا أدري إن كان الرئيس – بطرحه لهذه المبادرة – يرغب بالتخلص من الضغط المسلّط عليه من طرف أوساط معينة، أم أن لديه رغبة شخصية في إقرار هذا الأمر، وعموما هذا سيتضح من خلال السرعة التي ستتم بها أشغال اللجنة. وعموما كانت هناك مبادرة مشابهة تقدم بها أحد النواب ولم تتم المصادقة عليها في البرلمان، لأن المؤسسة الدينية والأحزاب السياسية قالت موقفها (رفضتها)، كما أن ثمة أوساط اجتماعية اليوم اعتبرت أن مبادرة الرئيس لا تمثل أولوية وثمة أوساط دينية أكدت وجود نص ديني واضح لا يمثل إزعاجا للمجتمع التونسي المنسجم معه، ولكن من ناحية ديمقراطية ومبدئية لا يمكن أن نمنع أحدا من التفكير».
فيما يستبعد بوجمعة الرميلي القيادي في حزب «تونس أولا» إجراء «استفتاء شعبي» حول هذا الأمر. ويضيف لـ»القدس العربي»: «إجراء استفتاء عام مسألة ثقيلة جدا لا تجوز، لكن اعتقد ان التونسيين بأطيافهم كافة لا يمكن أن يتخلوا عن مكاسبهم التاريخية، وأود الإشارة إلى أن في تونس ثمة حلولا لموضوع الإرث تتعلق بالوصية فالأب قد يترك وصية أو يقسم أملاكه قبل أن يموت، ويمكن كذلك أن يؤول الأمر إلى نص تشريعي تكون فيه ظروف نجاح مسبقة حتى يصبح قابلا للنجاح، والبرلمانيون (الكتل والمستقلين) سيتحملون مسؤولياتهم هنا، لأن هذه مسائل خطيرة لا يمكن أن تختبئ خلف أي شيء، لأنه عندما يطرح الموضوع لا بد لك أن تتخذ موقف وتقول كلمتك، ويجب أن يكون هذا الموقف إيجابيا للبلاد، لأنه لا أحد يتمنى أن يثير فتنة عن طريق المساواة بين الرجل والمرأة، فنحن نرغب بمساواة المرأة مع الرجل مع الحفاظ على الوحدة الوطنية».
وينص الفصل 82 من الدستور التونسي: على أنه «لرئيس الجمهورية، استثنائيا، خلال أجل الرد (على القوانين)، أن يقرر العرض على الاستفتاء مشروعات القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات، أو بالحريات وحقوق الإنسان، أو بالأحوال الشخصية، والمصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب. ويعتبر العرض على الاستفتاء تخليّا عن حق الرد. وإذا أفضى الاستفتاء إلى قبول المشروع فإن رئيس الجمهورية يختمه ويأذن بنشره في أجل لا يتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإعلان عن نتائج الاستفتاء. ويضبط القانون الانتخابي صيغ إجراء الاستفتاء والإعلان عن نتائجه».
ويقول محمو عبو مؤسس حزب «التيار الديمقراطي»: «لا أتصور أن الأمر يحتاج إلى استفتاء شعبي – وإن كان ذلك ممكنا دستوريا بعد تمرير القانون في مجلس الشعب – لأن هناك أولويات أخرى في البلاد فالانتخابات البلدية أخذت الكثير من الوقت، والاستفتاء الشعبي يستوجب الكثير من الإعدادات على مستوى هيئة الانتخابات والأحزاب، ولا أعتقد أن الواقع يسمح باستفتاء في هذا الموضوع».
ويضيف لـ «القدس العر بي»: «كتحليل، أعتقد أنه إما أن تُقبل المبادرة، خاصة أن الرئيس السبسي ربما راهن (عبر عملية حسابية) على أن جزءا كبيرا من النواب معه وقد يتأكد مع الوقت أنه أخطأ التقدير ويتراجع عن الأمر، أو ربما يدفع فتح هذا الملف الناس إلى التفكير قليلا في هذا الحل الذي يقتضي أن يختار الإنسان النظام الذي ينطبق على ميراثه، طبعا إذا وُضع قانون في هذا الاتجاه وهو أمر وارد في تصوري».
وتقول لمياء الخميري الناطقة باسم حزب «حراك تونس الإرادة»: «حتى لو كان الأمر يستدعي إجراء استفتاء حول موضوع الميراث، فثمة أولويات أخرى الآن في البلاد هي أهم كثيرا من الميراث في الوقت الحالي، فلدينا تراجع كبير في قيمة الدينار ونسبة عالية من الفقر والبطالة والمديونية لدى الدولة والحكومة تتحدث عن إمكان عدم تسديد الرواتب، حتى أن المرأة التونسية لدي أولويات كثيرة غير المساواة في الميراث، خاصة المرأة الريفية والعاملة، كما أن الأسرة التونسية مفككة لأن المرأة لا تجد حقوقها، أضف إلى ذلك أن المساواة في الإرث ستطرح مشاكل جديدة لا مجال لذكرها حاليا».
وفي خضم الجدل القائم حول مبادرة الرئيس التونسي، فضلت عدة أطراف سياسية واجتماعية التريث في اتخاذ موقف بانتظار ما ستقرره لجنة «الحريات الفردية والمساواة» التي شكلها السبسي، فيما يأمل بعضهم أن لا يكون مصير اللجنة كنظيراتها من اللجان البرلمانية التي لم تفضِ أغلبها إلى أية نتيجة على أرض الواقع.