نصح الوزير الأسبق، ورئيس حركة مجتمع السلم السابق أبو جرة سلطاني، قادة التيار الإسلامي بالتعايش مع السلطة، على اعتبار ما وصفه بتغير الظروف والوقائع. ولفت "أعتقد أنّ السبب الأساس في تعثّر جهود التيار الإسلامي في الجزائر، هو الإصرار على مواصلة العمل بعقليّة السريّة في واقع متعدّد مفتوح".
وذكر سلطاني، في منشور على "الفايسبوك" "أظـنّ أنّ المفاهيم قد اختلطت على بعض قادة التيار الإسلامي في الجزائر، فأصبحوا لا يفرّقون بين المهادنة والمداهنة، ولا يعرفون الحدود الفاصلة بين فقه الاستضعاف وفقه الغلبة، ولم يعودوا يحسنون ترتيب أولوياتهم بين انتظارات الأمّة وواجب الوقت، وخلت قراءاتهم للواقع الجديد من استصحاب رُخص التّخذيل.. فتراهم يسارعون ـ ربما بحسن نيّة ـ إلى هدم كل جهد يؤسّس لسياسة التعايش مع الممكن المتاح بفقه المنْحة (الذي أتقن فنّه الشّيخ نحناح رحمه الله) لحساب فقه المحنة الموروث عن مرحلة السريّة ".
ويرى الوزير الأسبق، أن السبب الأساس في تعثّر جهود التيار الإسلامي في الجزائر، هو إصرارهم على مواصلة العمل بعقليّة السريّة في واقع متعدّد مفتوح، مشيرا: "فالذين بقوا من شيوخ المرحلة السريّة ـ من جيل التأسيس ـ على قيد الحياة، ما زالوا يروّجون لثقافة الفصل بين السّلطان والقرآن، بمصطلح "المُلْك العَضوض" المبسوط في كتب "الأحكام السلطانيّة" وأشباهها!! وبعضهم يمنّي نفسه بانتفاضة شعبيّة ترفعه فوق الرؤوس، على شاكلة ما حصل لسلطان العلماء العزّ بن عبد السلام".
ولفت المتحدث بهذا الخصوص: "أما اليوم فالأوضاع مختلفة تماما عن زمن ابن تيميّة والماوردي والعزّ بن عبد السلام .. وعلى شيوخ التيار الإسلامي أن يعيدوا قراءة التاريخ بعيون العصر، لتأهيل جهازهم السياسي بما يضمن استيعاب الحركة المتسارعة لواقع يحكمه حقّ القوّة (الماليّة والإداريّة والسياسيّة والعسكريّة) بوجهيْن لعملة واحدة".
وووضع سلطاني قادة التيار الإسلامي أمام خيارين لا ثالث لهما إما الدخول في خيمة الوطنية الواسعة كما أسماها والمشاركة في إصلاح ما بها من خروق، وفق لون النّسيج المتفّق عليه بين الشركاء، أو اتخاذ أحزابهم ولمن دار في فلكها خيمة موازيّة، لا يُسمح لها بالتوسّع خارج الحدود المرسومة لها، تُعرض بداخلها بضائع المناوئين، في هوامش مسموح بها مركزيّا".
ويفسر رئيس حركة حمس الأسبق، المسموح به مركزيّا فيقول "أنّ من حقّ المعارضة أن تقول ما تشاء، حتّى تموت، ومن واجب السلطة أنْ تفعل ما تشاء لتستمرّ، ومن حقّ المعارضة أن تحتلّ الفضاء الافتراضي، لكنّ الفضاء الواقعي ملكيّة حصريّة لرجال الدّولة الذين تقع على كاهلهم مسئوليّة إدارة شؤونها وواجب تبديل الواجهة كلما أحسّوا أنّ هناك من يفكّر في خرق قواعد اللعبة السياسيّة، من أحزاب الموالاة، أو من يعمل على جمع شتات المعارضة، أو من يوسّع هامش حركة الشّارع، بعيدا عن رقابة الماسكين بأسرار العلبة السوداء" .
ويرى سلطاني في مقاله المعنون "التيار الإسلامي والعلبة السّوداء" أن خلاصة المسار السياسي في الجزائر منذ الاستقلال، تغيّرت فيه القيّادة السياسيّة سبع مرّات، لكنّ "العلبة السوداء" لم تتغيّر ولم يتغيّر قرّاؤها الذين يتناوبون على حراستها، ولم يسمحوا لأحد ـ من خارج الخيمة الوطنيّة ـ بمعرفة ما بداخلها من أسرار، لكن التّجربة – يقول سلطاني - علمتنا أنّ الغائب عن المشاركة في صناعة القرار، غائب الرّأي، محدود الحركة، قليل الحيلة، مُبعد عن قُمرة القيّادة، لا يستشار في أفراح الجزائر ولا يحضر أتراحها.. فهو كالمحبوس السياسي، محبوس الرأي في منفى اختياري يسمّونه تأدّبًا : "المعارضة".