أنباء غير رسمية، لكنها لم تنفَ، عن توترات تتصاعد بين المغرب وموريتانيا، وخلفيات التوتر عديدة، منها ما هو مرتبط بالتاريخ وما يحمله من حساسية علاقات الجيران والحدود، ومنها ما هو مرتبط بقضايا حديثة والوضع الإقليمي ومنها ما هو مرتبط بسوء فهم ومنها ما هو مرتبط بالوضع الداخلي لأي منها.
ويسجل في التاريخ المغربي أن موريتانيا كانت جزءا من المملكة المغربية، ورفض المغرب حتى 1969 الاعتراف بموريتانيا دولة مستقلة. ولا يتوانى مغاربة في التذكير بهذا بين فترة وأخرى، فيخلق أزمة تسعى الدبلوماسية لإخمادها قبل تطورها، في ظل ارتياب باطنى موريتاني من «أطماع» مغربية باسترجاع التاريخ و»استعادة» موريتانيا جزءا من المغرب، وهذا «الارتياب» الذي كثيرا ما يكون مرجعية لقراءة موريتانيا لأي موقف مغربي يتعلق بموريتانيا او قضية تهم موريتانيا.
ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، أصبحت قضية الصحراء الغربية، حاضرة سلبا أو إيجابا في العلاقات بين الرباط ونواكشوط، وفي اتفاقية مدريد التي تضمنت انسحاب إسبانيا من الصحراء، تقاسم المغرب وموريتانيا المنطقة، لكن الوضع الداخلي الموريتاني ووهن جيشها والارتباط القبلي بين الصحراويين والموريتانيين، والانقلاب العسكري الذي عرفته موريتانيا 1978، أدى إلى انسحاب القوات الموريتانية في آب/ أغسطس 1979، من منطقة وادي الذهب/ جنوب الصحراء، واستعادة المغرب لهذه الجزء من الصحراء، ويسود في المغرب شعار «من طنجة للكويرة» لكن الكويرة بقيت في الجانب الإسباني وهو ما يزعج الموريتانيين من هذا الشعار.
وإذا كانت نواكشوط طرفا بالنزاع الصحراوي من 1976 إلى 1979، فإنها أعلنت بعد ذلك تبني موقفا محايدا بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي أترفت بجمهوريتها من دون أن تفتح سفارة لها، لكنه ليس دائما حيادا متوازنا، إذ دائما يميل إلى هذا الجانب أو ذاك، في بعض الأحيان لحسابات سياسية وأحيانا أخرى لحسابات إقليمية بحكم وجود الجزائر بقلب النزاع الصحراوي، وأحيانا لحسابات داخلية.
ومنذ تولي محمد ولد عبد العزيز رئاسة موريتانيا، ولأخطاء بروتوكولية، ذهبت العلاقات نحو توتر لا يغيب، وإجراءات تعبر عن قلق، واتهامات غير رسمية لكنها مباركة من المسؤولين، هنا أو هناك. ومنذ عدة أشهر كانت منطقة الكركرات، نقطة الحدود المويتانية المغربية، وبوابة المغرب البرية لأفريقيا، عنوان التوتر، إذ قامت القوات المغربية في صيف 2016 بتنظيف المنطقة الواقعة خارج الجدار الـأمني الذي شيده المغرب على حدوده مع موريتانيا بالجنوب والجزائر في الشرق، لمنع هجمات قوات جبهة البوليساريو، وترك جزءا خارج الجدار، حتى لا تؤدي ملاحقة قوات البوليساريو لمواجهات مسلحة مع الجيش الموريتاني أو الجزائري. لكن منطقة الكركرات، أضحت مرتعا للتهريب وتجارة المخدرات.
القوات المغربية قامت بتطهير المنطقة من المهربين وتعبيد الطريق الفاصل بين نقطتي الحدود، إلا أن جبهة البوليساريو اعتبرت ذلك انتهاكا لقرار وقف إطلاق النار 1991، فأرسلت دوريات مسلحة وقام إبراهيم غالي زعيم الجبهة بزيارة المنطقة، وما كان يتسنى للجبهة أن تقوم بذلك من دون التنسيق مع السلطات الموريتانية.
وقال موقع الصحراء زوم إن السلطات الموريتانية قررت إغلاق معبر الكركرات وقالت تقارير صحافية إن النقطة الحدودية تشهد استنفارا عسكريا كبيرا من قبل الجيش المغربي، وأكدت انتقال وحدات من مشاة الجيش إلى المكان المذكور. وأضافت المصادر إن التحرك العسكري للمغرب يأتي عقب اتفاق جزائري موريتاني لفتح طريق تجارية بينهما تستغني عن المعبر المغربي الوحيد.
وقالت جريدة «المساء» المغربية إن الإنزال العسكري المغربي قابله حضور عشرات الجنود الأمميين التابعين للمينورسو، إذ يعقد مسؤولو كل من موريتانيا والجزائر اتفاقيات تقنية لفتح المعبر لطريق يؤدي إلى تندوف والزويرات.
وقال موقع «موند أفريك» إن الرباط ونواكشوط كانتا تَأملان من وراء تنصيب سفير جديد للمغرب في موريتانيا، إعادة الدفء للعلاقات الثنائية بين البلدين، غير أن الذي حصل أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي تجاهل «الإيماءات» التي لوّح بها القصر المغربي لمصلحته، رفض رفضا قاطعا اعتماد حميد شهبار الذي عيّنه الملك محمد السادس في 25 حزيران/ يونيو الماضي، سفيرا في موريتانيا.
وقال المحلل السياسي، كريم الدويشي، راصدا العلاقات المغربية الموريتانية «لا أحد يفهم حقا الأسباب التي تقود حاليا السلطة الموريتانية – التي تواجه غضب الشارع والمعارضة على نحو متزايد، خصوصا من قبل أنصارها الأكثر ولاء في مجلس الشيوخ والنخب الموريتانية بل حتى الدبلوماسية الأمريكية- إلى اتخاذ مثل هذه المواقف. وأوضح الدويشي في المقال الذي عنونه «موريتانيا والمغرب نحو الانفصال» إنه «في الوقت الحالي تقول وزارة الشؤون الخارجية المغربية إنها لم تتلق أي اعتراض من قبل السلطة الموريتانية، ومن الواضح أن السلطات الموريتانية، التي تعمل بشكل غير عادي، تحاول شد أعصاب المسؤولين المغاربة الذين تتهمهم بإيواء معارضين لنظام ولد عبد العزيز».
وأضاف: إن «المملكة المغربية التي اعتادت على قلب مزاج الجنرال- الرئيس الموريتاني، لم تكن تريد أن ترفع من لهجتها حيال الأمر، غير أن الرئيس الموريتاني زاد من غضبه عشرة أضعاف. وبدأت الصحافة القريبة من الرئاسة الموريتانية فجأة بمهاجمة المغرب».
وقال: «أمرت وسائل الإعلام بالعودة إلى اتفاق مدريد الثلاثي الذي وقعه المغرب وموريتانيا وإسبانيا، ونص على تقسيم الصحراء بين البلدين المغاربيين. وفي ذلك الوقت، لم تتمكن نواكشوط من تأمين جزء من الأراضي الصحراوية، في حين تشكل الصحراء خطا أحمر للدولة المغربية، غير أن الرئيس الموريتاني يبدو أنه يلعب بموضوع حساس للغاية على أساس أنه «فتى سيء» ولكن هذا الموقف، للأسف، يشكل «إعلان حرب» للرباط.
وحسب الدويشي لا يبدو أن السلطة الموريتانية تريد أن تتوقف عند مستوى التهديدات وقال عن معبر الكركرات: إن «هذا الملف حساس، فمعبر ”كركرات” هو المعبر الحدودي البري الوحيد بين المغرب ودول أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ذو أهمية اقتصادية حاسمة، إذ تمر عشرات الشاحنات التي تنقل البضائع المغربية إلى بلدان الساحل عبر هذه المدينة الحدودية. وطلبت موريتانيا من الجزائر التعجيل بفتح طريق تندوف الزويرات، الذي يمكن أن يكون طوقا يربط بين ميناء وهران والبلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، يقول الدويشي: ن «كل هذه المبادرات هي استفزازات حقيقية للمغاربة، ولأن نواكشوط لم تتبن خطا متوازنا في توجهاتها منذ وقت طويل بخصوص جارتيها، الجزائر والمغرب، بسبب جرأتها العمياء، فإن هذا الأمر لن يؤدي إلا إلى تهديد التوازن الإقليمي في المنطقة.