القاهرة: كشف الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري عن أن التحركات المصرية خلال الأسابيع الماضية من قبل وزارتي الخارجية والري أسهمت في إثناء ثلاث من دول منابع النيل عن حضور الاجتماع الذي تم عقده أمس بمدينة عنتيبي الأوغندية، وهو الأمر الذي أحدث انقساما بين دول المنابع السبع وأدى إلى توقيع أربع منها فقط على الاتفاقية الإطارية لتقاسم مياه النيل.
وكانت إثيوبيا "مصدر 85% من مياه النيل لمصر" وتنزانيا وأوغندا "مصدر 15% من مياه النيل لمصر" ورواندا وقعوا الجمعة علي الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، بينما وافقت كينيا علي الاتفاقية ولكنها أرجأت التوقيع عليها، في حين تغيبت كل من الكونغو الديمقراطية وبوروندي عن الاجتماع الذي تم عقده أمس في مدينة عنتيبي الأوغندية دون موافقة كل من مصر والسودان.
وأضاف علام لصحيفة "الدستور" المستقلة، أن ما حدث أمس في عنتيبي الأوغندية يؤكد أن التوقيع المنفرد لدول المنابع أثبت عدم جدواه لأنه يؤدي إلي عدم استقرار في دول الحوض جميعاً.
وتابع: "ان الدول والمنظمات الدولية المانحة تتفهم وجهة نظر مصر والتي تؤيدها القوانين الدولية".
وأشار علام إلي أن الحل الوحيد أمام دول الحوض هو العودة لطاولة المفاوضات لإنجاز اتفاق يرضي كل دول الحوض وقد يؤدي هذا الاتفاق إلي العودة لطاولة المفاوضات بعد يوم أو اثنين أو عام أو عامين.
وفي سياق متصل، أجرى الرئيس حسني مبارك أجري الخميس اتصالاً هاتفياً بالدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمياه النيل، طلب منه اطلاعه علي آخر التطورات في ملف مياه النيل بعد تمسك دول المنابع بالتوقيع علي الاتفاقية الإطارية دون مصر والسودان.
وقال مصدر رفيع المستوي بمجلس الوزراء إن نظيف أكد للرئيس أن دول المنابع اتخذت هذه الخطوة للضغط علي مصر والسودان كي يوقعا علي الاتفاقية الإطارية دون إدراج بنود الأمن المائي والإخطار والإجماع، وهي البنود التي تتمسك كل من مصر والسودان بإدراجها للحفاظ علي حصتيهما من مياه النيل 5.55 مليار لمصر و5.18 للسودان، في حين ترفض دول المنابع وبشكل قاطع إدراج هذه البنود.
وأشار إلي أن هناك تعليمات صدرت إلي الوزراء المعنيين بملف مياه النيل باستمرار التعاون مع دول المنابع السبع رغم إقدامها علي التوقيع المنفرد علي الاتفاقية الإطارية.
وأضاف أن مصر لن تلجأ إلي التحكيم الدولي في هذه المرحلة، أما السفيرة مني عمر، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية، فأكدت أنه علي الرغم من توقيع 4 من دول المنابع علي الاتفاقية الإطارية دون مصر والسودان، فإن مصر ستظل تتعاون مع دول الحوض، مضيفة أن دول المنابع تعهدت علي ألا يتسبب توقيعها المنفرد علي الاتفاقية الإطارية في إلحاق أي أضرار بمصر
"اتفاق منقوص"
وكانت أربع من دول حوض النيل، هي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا، أمس، اتفاقية إطارية مثيرة للجدل بشأن تقاسم مياه النيل، أكبر أنهار القارة الأفريقية، رغم غياب دولتين من دول الحوض هما بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومقاطعة مصر والسودان المعارضتين بشدة لهذا الاتفاق، فيما أعلنت كينيا الدولة التاسعة دعمها الكامل للاتفاقية الجديدة.
وأعرب مسؤولون في الحكومة المصرية أمس عن رفضهم للاتفاقية، قائلين إن القاهرة متمسكة باتفاقيات سابقة تمنحها حصصا ثابتة من مياه النيل تصل إلى 95% من الموارد المائية، داعين في الوقت نفسه إلى الحوار والتعاون مع دول المنبع السبع.
ولا يشير النص الجديد إلى أي أرقام، للحجم أو الأمتار المكعبة، للتقاسم المقبل للمياه، لكنه يلغي اتفاقي 1929 و1959، ويسمح لدول الحوض باستخدام المياه التي تراها ضرورية مع الحرص على ألا تضر بالدول الأخرى. كما ينص الاتفاق على إنشاء مفوضية لحوض النيل تكلف بتلقي كل المشاريع المتعلقة بالنهر (من قنوات ري وسدود) وإقرارها. وسيكون مقر هذه المفوضية أديس أبابا، وستضم ممثلين للدول التسع المعنية.
ويقول الموقعون إن الاتفاق الجديد، الذي كان يجري التفاوض حوله منذ نحو عشر سنين بين الدول التسع التي يمر عبرها النيل، يهدف إلى تنظيم استغلال مياه النيل وتوزيع الحصص بالتساوي بين كل الدول التسع من أجل تقاسم أفضل لمياه النهر.
ولم يحضر ممثلا بوروندي والكونغو الديمقراطية حفل التوقيع أمس، ولم يوقعا الاتفاق بالأحرف الأولى، فيما تحفظت كينيا على توقيع الاتفاقية، أما مصر والسودان، اللذان يعتمدان بشكل أساسي على النيل في التزود بالمياه، فقد قاطعا هذا الاتفاق الجديد منذ البداية، وكانا قد أعربا عن معارضتهما للاتفاق. وقالا "إن الاتفاقية التي وقعت أمس لا قيمة لها من الناحية القانونية بالنسبة للدول التي لم توقع عليها"، في إشارة إلى مصر والسودان.
ورفضت مصر الاتفاق، مؤكدة معارضتها الشديدة لها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية حسام زكي في بيان إن "مصر لن تنضم أو توقع على أي اتفاق يمس حصتها من مياه النيل وحقوقها التاريخية" في هذا النهر. وأكد أن "مثل هذا الاتفاق لا يعد ملزما لمصر بأي شكل من الأشكال من الناحية القانونية".
"ليس له قيمة"
في هذه الأثناء، قال الدكتور مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية بمصر، لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن، إن الاتفاق المبرم بين دول منبع النيل لا يرتب أثرا قانونيا في مواجهة مصر. وأضاف أن التوقيع ليس له قيمة إلزامية بالنسبة لمصر والسودان، لأن أي اتفاق لا يرتب أثرا إلا بالنسبة لمن وقع عليه وصادق عليه.
وعما إذا كانت مصر يمكن أن تجد سندا من القانون الدولي في حال استشعارها خطر المساس بحصتها من مياه النيل، قال شهاب "طبعا مصر حقوقها القانونية ثابتة ولا يمكن التشكيك فيها، لأن حصة مصر ثابتة باتفاقيات ثنائية مبرمة بينها وبين دول المنبع، وهي متمسكة بهذه الاتفاقيات، وبما قررته من حصص أصبحت حقوقا تاريخية ثابتة لها لا يمكن أن يشكك فيها أحد..
هذا فضلا عن المبادئ أو قواعد قانون الأنهار الدولية العرفية التي تقرر أن الدول المطلة على أي نهر دولي أي يمر بأكثر من دولة، ليس من حقها أن تقوم بتصرفات في الجزء الذي يمر في أرضها يمكن أن تؤثر على سلامة الملاحة أو أن تؤثر على مصالح الدول الأخرى، مثل إقامة جسور أو سدود أو أي شيء يمكن أن يلحق ضررا بباقي الدول فيما بعد.
وحول إمكانية تطور الأزمة إلى حدود غير محمودة العواقب، يجبرها على التدخل فيه بشكل أقوى.. قال شهاب: "لا نريد أن نقفز إلى النتائج، وكأننا نسعى إلى الصراع"، مضيفا: "ألحظ أن كثيرا من الأسئلة التي توجه من أجهزة الإعلام حول هذا الموضوع تستعجل الصدام، وكأنها تريد أن تقول متى سيكون إعلان الحرب. وأنا أريد أن أقول للجميع إنه ما زال أمامنا شوط طويل في الحوار والتفاوض على كل المستويات الأعلى"، مشيرا إلى مزيد من الاتصالات المكثفة لفتح مجالات تعاون مع دول المنبع وشرح الحقائق لها.
وتابع: "نحن لا نريد أن ندخل في معركة تفاوضية لينتصر فريق ضد فريق، إنما ندخل في حوار لتبادل وجهات النظر حول ما هي المشروعات المشتركة التي يجب أن تتم بحيث إنها تزيد موارد المياه لدول المنبع وتساعدهم في إقامة جسور أو سدود أو مشروعات استصلاح أراض تمكنهم أكثر من الاستفادة من مياه النيل، وفي الوقت نفسه هذه الاستفادة لا تضرنا نحن ولا تنال من حصتنا".
وقال شهاب: "نريد أن نصل لمعادلة تفيد دول المنبع ولا تنال من حصتنا، لأن حصتنا تكاد بالكاد تغطي احتياجاتنا. نحن نحصل على 55.5 مليار متر مكعب طبقا لاتفاقيتي 1929 و1959، ونصيب الفرد (في مصر) الآن 700 متر مكعب، في حين أن حد الفقر المائي الذي حددته المنظمات الدولية 1000 متر مكعب. وبالتالي، ومع ما نحن نتمسك به ومصرون عليه، ما زلنا تحت خط الفقر المائي. حقوقنا القانونية ثابتة، ولا يستطيع أحد أن يشكك فيها".
ويتكون نهر النيل ،الذي يمتد على نحو 6700 كلم، من التقاء النيل الأبيض، الذي ينبع من بحيرة فيكتوريا (أوغندا، كينيا، تنزانيا) بالنيل الأزرق ومنبعه بحيرة تانا في إثيوبيا.. ويلتقي النهران في الخرطوم ليشكلا نهرا واحدا يعبر مصر من جنوبها إلى شمالها ليصب في البحر المتوسط.
وتضع مصر والسودان أيديهما على هذا المورد المائي الكبير، إذ إن الاتفاق الحالي بشأن تقاسم مياه النهر الذي أعدته عام 1929 القوة الاستعمارية بريطانيا، والذي تمت مراجعته في عام 1959، يمنح مصر حصة قدرها 55.5 مليار متر مكعب من مياه النهر بينما يبلغ نصيب السودان وفق الاتفاقية نفسها 18.5 مليار متر مكعب، أي أنهما يحصلان معا على 87% من منسوبه محسوبا لدى وصوله عند أسوان في صعيد مصر.
كما يمنح هذا الاتفاق القاهرة حق الفيتو في ما يتعلق بكل الأعمال أو الإنشاءات التي يمكن أن تؤثر على حصتها من مياه النهر، التي تمثل 90% من احتياجاتها المائية. وتعترض إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية على هذا التوزيع، وانتهى اجتماع تشاوري عقد الشهر الماضي في شرم الشيخ بخلاف معلن بين مصر والسودان من جهة والدول الأفريقية السبع الأخرى من جهة ثانية.
وتخشى القاهرة والخرطوم أن يؤثر هذا الاتفاق الإطاري الجديد على حصتيهما من مياه النيل، إذ يتضمن إقامة الكثير من مشروعات الري والسدود المائية المولدة للكهرباء في دول المنبع.