20100517
المحيط
القاهرة: في أول رد فعل على إعلان إثيوبيا افتتاح سد جديد لتوليد الطاقة الكهربية وتخزين المياه، الأمر الذي يؤثر على حصة مصر من مياه النيل، قالت مصادر مصرية مسؤولة إن الإعلان الإثيوبي يهدف إلى استفزاز مصر وجرها إلى سلوك دبلوماسى متسرع، في وقت أكدت وزارة الموارد المائية والري، أن مصر تمتلك وثائق رسمية موقعة من كبار المسئولين بالدولة الاثيوبية تؤكد التزامهم بعدم استخدام السدود الجديدة لاغراض تخزين المياه.
وأوضحت المصادر المسئولة أن جهات سيادية وسياسية مسؤولة عن ملف النيل اجتمعت أمس لبحث أسلوب التعامل مع التطور الجديد، وطلبت معلومات تفصيلية عن السد، تمهيدا لتقديمها إلى الرئيس حسني مبارك، مشيرة إلى أن المعلومات المتاحة عن سد "تانا بليز" تؤكد أنه يضم "توربينا" واحداً تصله المياه عن طريق نفق، وأنه ليس سداً بالمعنى العلمى لذلك، وتوقعت المصادر صدور بيان صحفى تفصيلى من وزارة الموارد المائية والرى حول "السد" وموقف مصر منه.
ونقلت صحيفة "المصري اليوم" المستقلة عن قال الدكتور حمو العمرانى، الخبير الدولى للمياه، مدير المكتب الإقليمى لمركز البحوث للتنمية الدولية الكندى، إن التصريحات الإثيوبية حول افتتاح سد جديد للمياه والكهرباء يهدف لجر مصر إلى الإسراع بطلب تأجيل المشروعات المائية المزمع إقامتها على نهر النيل بدلا من طلب إعادة المفاوضات إلى طاولة المحادثات مرة أخرى، وهو ما تسعى إليه إثيوبيا.
وأضاف، أن ردود الفعل المصرية الهادئة خلال الفترة الأخيرة وراء محاولة إثيوبيا استفزاز مصر، بما ينعكس على قلب أوضاع التأييد الدولى لصالحها بدلا من تأييد وجهة النظر المصرية، مطالبا بالتمهل فى التعامل مع هذه التصريحات، والحوار مع الأطراف الأخرى العقلانية فى إدارة هذا الملف.
في المقابل، حذر خبراء مصريون في مجال المياه من خطورة إنشاء مثل هذه السدود علي حصة مصر من مياه النيل، واصفين إنشاءها بالسابقة الخطيرة التي ستدفع دول حوض النيل الأخري إلي أن تحذو حذو إثيوبيا وتقوم بإنشاء السدود دون الرجوع إلي مصر.
وأوضحوا أن هناك من سيخرج ويقول إن هذه السدود مخصصة فقط لتوليد الكهرباء، والرد علي هؤلاء هو أنه ليست هناك مشروعات لتوليد الكهرباء وأخري للمشروعات الزراعية، فكل السدود هي لتخزين المياه وبالتالي فإن تخزين المياه سيؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل. وأشاروا إلي أن إثيوبيا لديها خطة معلنة تستهدف إنشاء 40 سداً لتوفير ما يقرب من 7 مليارات متر مكعب سنوياً.
وأكد الخبراء أن إثيوبيا تقود تياراً يرفض التوقيع على أي اتفاق بشأن مياه النيل، لافتاً إلى أن إثيوبيا تستند إلى أن نحو 85% تقريباً من مياه النيل تأتي من أراضيها ولذلك فهي ترفض على الدوام التعاون والاتفاق مع مصر تحديداً وتصر على أن تحضر أية اجتماعات أو مشاورات لدول الحوض بصفة مراقب".
وقالوا: "رغم أن هناك اتفاقيات كانت أديس أبابا طرفاً فيها منذ عام 1902 إلا أنها ترفض التعاون مع مصر، مشيراً إلى أنه تم توقيع اتفاق تعاون بين مصر وإثيوبيا عام 1993 ولم تلتزم الأخيرة به، مضيفاً أنه عندما أثيرت القضية في الأمم المتحدة عام 1997 رفضت إثيوبيا التوقيع على الاتفاق الإطاري".
"وثائق ملزمة"
في سياق متصل، أكدت مصادر مطلعة بوزارة الموارد المائية والري أن مصر تمتلك وثائق رسمية موقعة من كبار المسئولين بالدولة الاثيوبية تؤكد التزامهم بعدم استخدام السدود الجديدة لاغراض تخزين المياه بهدف زراعة مئات آلاف الأفدنة وأن استخدام هذه السدود علي مجري النيل يأتي فقط لاغراض توليد الكهرباء.
وأضافت المصادر انه في حالة استخدام مياه النيل في اغراض التخزين والزراعة كما أعلن مؤخرا بالرغم من وجود موانع كثيرة لاتمام ذلك، فستؤثر هذه الكميات عدم وصول ما يقدر بـ9 مليارات مترك مكعب من المياه التي تمثل ما يصل إلي ما بين6 و7 مليارات من حصة مصر والسودان عند وصولها إلي بحيرة السد العالي بجنوب مصر.
وحسبما ذكرت صحيفة "الأهرام" المصرية في عددها الصادر اليوم الاثنين، قللت المصادر من وجود برامج زراعية قابلة للتطبيق وزراعة مئات الآلاف من الأفدنة وذلك لوجود موانع طبيعية كجغرافيا المكان وعدم وجود الأدوات والعمالة الزراعية المؤهلة لذلك والتي تصطدم بعقبة التمويل في مثل هذه المشروعات التي تأخذ عشرات السنوات لتبدأ في حصاد النتائج المرجوة منها.
وأكدت المصادر أن مصر لا تري أي مانع من جانبها في حالة إنشاء سدود صغيرة لتوليد الكهرباء لخدمة أغراض التنمية باثيوبيا وأن ما ترفضه هو إنشاء سدود متعددة الاغراض لتوليد الكهرباء والتخزين والزراعة.
في غضون ذلك، رحبت أوغندا وكينيا بدعوة مصر دول حوض النيل للرجوع لطاولة المفاوضات وعقد اجتماع استثنائي بالإسكندرية لمناقشة المبادرة الرئاسية وفتح باب التفاوض حول البنود العالقة بالاتفاقية الاطارية.
وقالت أوغندا علي لسان سفيرها بالقاهرة عمر لوبلوا أنه علي الرغم من أنه لم يتلق دعوة رسمية بذلك إلا أنه أكد أن أوغندا لن تتردد في قبول دعوة مصر وأشار إلي أن توقيع الاتفاق في عنتيبي من قبل بلاده لا يعني أن الأمور وصلت إلي طريق مسدود.
وأوضح لوبلوا أن توقيع الاتفاقية لا يعني أننا أصبحنا أعداء، وان الاتفاق الجديد لن يكون عقبة أمام استمرار التعاون والتفاوض، مشيرا إلي أن اللجنة المشتركة بين مصر وأوغندا يجري الإعداد لها قبل نهاية العام وأنه لا يوجد عائق أمام استمرار التعاون بين البلدين.
ومن جانبه أعرب دانيال ماكدويلو سفير كينيا بالقاهرة عن تقديره لمبادرة مصر بدعوة الدول الأعضاء في مبادرة حوض النيل للجلوس مجددا للتفاوض. وأكد أن التحرك المصري ايجابي في سبيل الوصول إلي حل توافقي يكون مرضيا لدول المنبع والمصب علي حد سواء مشيرا إلي أن نجاح ذلك يتوقف علي ما سيطرح خلال هذا الاجتماع.
"تانا بليز"
وكانت صحيفة "إثيوبيان نيوز" الإثيوبية أعلنت السبت عن افتتاح أكبر سد مائي على بحيرة "تانا"، والتي تعتبر أحد أهم موارد نهر النيل، وذلك في سابقة خطيرة تؤشر إلى نية دول منابع النيل في تصعيد مواقفها ضد مصر.
وجاء التطور الجديد بعد ساعات من قيام عدد من دول المنابع وهي، إثيوبيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا، بالتوقيع على اتفاقية جديدة للمياه بمدينة عنتيبي الأوغندية دون مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان) .
وقالت الصحيفة إن سد "بليز" الذى يقع فى ولاية أمهرة الواقعة على بعد 500 كيلو من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذى تكلف 500 مليون دولار، وتم تمويله بالجهود الذاتية للحكومة الإثيوبية، دون تدخل أى مساعدات أجنبية، حسب قولها، سيولد المزيد من الطاقة الكهرومائية باستخدام الموارد المائية لبحيرة تانا، لافتة إلى أنها المرة الأولى التى تستغل فيها إثيوبيا نهر النيل، والذى تشاركها فيه ثماني دول أفريقية.
ونقلت الصحيفة عن ميهريت ديبيبى، المدير التنفيذى لسد بليز، أن السد الجديد سيساهم فى زراعة 119ألف هكتار، وسيمد شبكة الطاقة الوطنية بالدولة بـ23% من الكهرباء، لافتا إلى أنه سيتم التوسع فى إنشاء فروع أخرى للسد كمراحل أخرى فى الإنشاء حتى يكون بيليز هو أكبر سد مائى فى صحراء أفريقيا، حيث وقعت إثيوبيا اتفاقية تعاون مع شركات صينية لاستكمال باقى الأفرع فى الأربع سنوات المقبلة.
إسرائيل و"الاحتكار المصري"
كعادته، دخل الإعلام الإسرائيلي بقوة على خط الأزمة المتفاقمة بين دول منابع النيل السبع من جهة، ودولتي المصب من جهة اخرى، حيث توقعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، اندلاع حرب مياه بالمنطقة في العقد المقبل.
وزعمت الصحيفة أن التحدي الذي أبدته دول حوض النيل ضد ما اسمته "الاحتكار المصري لمنابع النهر" أغضب القاهرة وجعلها في حالة غليان، موضحة أن تلك الدول رفضت أي حل وسط وقامت بنشر التهديدات قائلة إن حرب المياه ستنشب خلال العقد المقبل.
ونقلت صحيفة "الدستور" المستقلة عن "يديعوت": إنه بشكل غير مفاجئ ومع تصاعد خط التوتر حول مياه النيل ارتفع اسم إسرائيل وكذلك واشنطن ليظهر في القائمة السوداء، مشيرة إلى تصريحات للدكتور علي الدين هلال- أحد كوادر الحزب الوطني الحاكم، بأن "الدولتين (إسرائيل وواشنطن) نجحتا في إقامة مشاريع في دول حوض النيل من شأنها الإضرار بالأمن القومي العربي".
وأضافت الصحيفة أنه منذ آلاف السنين والنيل يعد شريان الحياة لمصر، فهو يتيح لها الوجود في قلب بيئة جافة، لافتة إلي أنه برعاية السلطات البريطانية حصلت مصر منذ القرن الماضي علي الأولوية في السيطرة علي مياه النهر الآخذة في التناقص، موضحة أن انعكاس هذا بدأ يشكل خلال الفترة الأخيرة أزمة دبلوماسية فعلية في القارة السمراء ويهدد النظام القائم بها.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن الأمر شهد مرحلة جديدة مؤخراً حينما وقعت أربع دول أفريقية علي اتفاقية مثيرة للخلافات لإعادة تقسيم مياه النيل، وهي الاتفاقية التي وقعتها كل من إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا، موضحة في تقريرها أنه خلال الشهر الماضي ارتفعت درجة التوتر حول هذا الموضوع بعد قيام دول حوض النيل بإطلاق تهديدات تؤكد توقيعهم اتفاقية لتقسيم المياه بعيدا عن مصر والسودان إذا لم توافق الأخيرتان علي توقيعها معهم، لافتة إلي أن محاولات مد الجسور بين الجانبين خلال الأسابيع الأخيرة باءت بالفشل.
وأشارت "يديعوت" إلي أن الاتفاقية الجديدة لا تهتم بتحديد كميات جديدة لاستخدام المياه لكنها تتضمن إلغاء واضح للاتفاقيات السابقة التي حصلت القاهرة بواسطتها علي احتكار النهر وتعطي الاتفاقية الجديدة للدول التي وقعَّتها حق القيام بأي أعمال علي طول النهر تفيد مواطنيها، كما يتضمن الاتفاق إقامة مجلس لدول حوض النيل، وهو المجلس الذي سيكون الهيئة المسئولة عن العملية المتعلقة بالنهر وسيكون مقره بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ، موضحة أنه كما هو متوقع سارع المصريون والسوادنيون إلي التنديد بشدة بهذه الاتفاقية الجديدة.