20100525
المحيط
القاهرة: كشفت تقارير صحفية عن صفقة سرية تحاك خيوطها حاليا بين الحزب الوطني الحاكم في مصر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يتم بموجبها قيام الحزب بترشيح عدد من الأقباط على قوائمه في الانتخابات البرلمانية، بشرط تعهد الكنيسة بالامتناع عن دعم المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الدكتور محمد البرادعي، في محاولاته الساعية لتعديل الدستور لكي يتمكن مع غيره للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.
اضافت التقارير، أن "الوطني" قرر التفاوض، لأول مرة، مع قيادات أقباط المهجر بشأن ترشيح 20 قبطيا علي قوائم الحزب في انتخابات مجلس الشعب المزمع عقدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل شريطة التوقف عن دعمهم للبرادعي، الذي يميل لتأييده قيادات أقباط المهجر كبديل ثالث بعيداً عن الحزب الوطني والإخوان.
وأكدت مصادر كنسية لصحيفة "الدستور" المستقلة، أن لقاءات مكثقة بين قيادات الحزب ناقشت هذا الأمر ، حيث اقترح أحمد عز أمين التنظيم سفر أحد قيادات الحزب إلي الخارج للقاء الناشطين الأقباط بالخارج وتم الاستقرار علي سفر عمر هريدى عضو مجلس نقابة المحامين إلي الولايات المتحدة نهاية الشهر الجاري للقاء بعض الناشطين الأقباط في الولايات المتحدة لضمان تأييدهم للحزب الوطني والرئيس حسني مبارك خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية .
وأضافت المصادر أن أحد مستشاري البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، – القانونيين – ينتظر موافقته علي السفر إلي الولايات المتحدة كـ"وسيط " بين الدولة وأقباط المهجر لتقريب وجهات النظر بين الطرفين بعد زيارة أحمد عز للبابا في المقر البابوي مؤخراً والتي تطرقت لمسألة ترشيح الأقباط علي قوائم الحزب في الانتخابات البرلمانية .
يذكر أن قائمة الحزب الوطني لانتخابات الشوري المزمع عقدها الثلاثاء المقبل تضمنت 3 شخصيات من الأقباط فقط من بين 90 مرشحا.
من جانبه، رفض صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، أمين عام الحزب في حوار مع فضائية "العربية" يذاع اليوم الثلاثاء، القول بأن الحزب خرج عن مبادئه بإدخال الدين فى السياسة من خلال زيارة أحمد عز، لمقر البابا والتشاور معه فى الانتخابات، بقوله: "كل ما نشر عن هذا الأمر ليس حقيقياً، وأحمد عز ليس المخول بالأمر، لكنه كان يحاول حل مشكلة فى إحدى الدوائر".
أقباط المهجر والبرادعي
كانت قيادات أقباط المهجر في الولايات المتحدة أكدت في وقت سابق تأييدها للبرادعي لتأسيس فرع "الجمعية الوطنية للتغيير" هناك بشروط، تأتي في مقدمتها "تحقيق المساواة بين الأقباط والمسلمين وإزالة كل المواد القانونية أو الممارسات التي تحوي تمييزاً واقرار قانون موحد لبناء دور العبادة، وتغيير المناهج التعليمية التي بها تمييز ضد المسيحيين".
كما طالبت القيادات البرادعي مقابل مساندته "بتنقيح المناهج من الطائفية والحض علي كراهية الآخر والحرص علي أن يكون هناك تمثيل انتخابي يناسب عدد الأقباط مع الافصاح عن عدد المسيحيين الحقيقي مع وضع آلية تضمن عدالة أحكام القضاء لا تستند علي الشريعة الإسلامية".
وتضمنت المطالب، كذلك، حذف المادة الثانية من الدستور لاعمال الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة.
وأبدي موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية القبطية تأييده الكامل للبرادعي والجمعية الوطنية للتغيير بشرط أن يضمن البرادعي تنفيذ عدة مطالب أهمها المساواة بين الأقباط والمسلمين والغاء المادة الثانية من الدستور ومجابهة حركة الإخوان المسلمين وألا تقوم أي حركات دينية في مصر "مسيحية أو إسلامية" مع وجود انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة تخضع للاشراف الدولي بحيث يتمتع المصريون بمجلس تشريعي حقيقي والغاء التشريعات المقيدة للحريات خاصة الطوارئ وتغيير الدستور.
"مغازلة الأقباط"
وكان البرادعي، وفي محاولة على ما يبدو لمغازلة الأقباط في حالة نجاحه للترشح لرئاسة مصر في انتخابات 2011، قال في حوار سابق له مع "العربية" "أنه من حق أى مصرى حتى لو كان قبطيا أن يكون رئيسا للجمهورية ومع أن تتولى امرأة الرئاسة".
يذكر أن ثلاثة أقباط قد أعلنوا ترشحهم لخوض انتخابات الرئاسة عام 2011، وهم الناشط الحقوقي ممدوح نخلة عن حزب "العدالة الاجتماعية"، ونائب رئيس الحزب "الدستوري الاجتماعي الحر"، ممدوح رمزي، ورئيس حزب "الاستقامة" - تحت التأسيس - عادل فخري.
وعبر البابا شنودة أكثر من مرة عن رفضه ترشيح الأقباط لرئاسة الجمهورية، ووصفها بأنها "محض خيال ووهم وكلام غير معقول".
كان الناشط الحقوقي نجيب جبرائيل، زعم في تصريحات سابقة له: "الأقباط حاليا محرومون من حقوق كثيرة، ومنها قانون دور العبادة الموحد، والتمثيل الهزلي في البرلمان وازداد سخطهم على النظام الحالي بعد مذبحة نجع حمادي، لكن ليس معنى ذلك أنهم سيرمون أنفسهم في أحضان البرادعي الذي لا يضمن حقوقا لنفسه حتى يضمنها لغيره".
ولفت جبرائيل إلى أن الأقباط سينتظرون على شاطئ النهر ويراقبون سفينة الوطن، ثم يقررون من يؤيدون، وبرأيه المدة المتبقية كافية للحكم والاختيار، منتقدا في الوقت نفسه الوفود المسيحية التي ذهبت للبرادعي لتأييده لأنهم لا يمثلون طائفتهم بل يمثلون أنفسهم.
في المقابل، قال القمص صليب متى ساويرس عضو الحزب الوطني في تصريحات سابقة لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن، إن البرادعي ينقصه خبرة الواقع الداخلي المصري، كما أنه حتى علاقاته الخارجية اقتصرت على مستويات بعينها دون أن ترتفع لمستوى القادة والرؤساء، بعكس الرئيس مبارك الذي تمرس سياسيا مع السادات لست سنوات كنائب.
وأشار ساويرس إلى أن علاقة الكنيسة بالنظام الحالي جيدة، وهي لا تحجر على رأي قبطي في اختياراته وإن كان البابا أعلن دعمه لمبارك، وابنه جمال الذي يجوب محافظات مصر ويعرف قراها ونجوعها بعكس البرادعي، مشيرا إلى أن الوقت لا يزال مبكرا لاختيار رئيس جديد لمصر.
"البرادعي ومخطط التوريث"
كانت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قالت في عدد سابق لها إن عودة البرادعي، في فبراير/شباط الماضي واعتزامه الاستفرار في مصر بشكل نهائي وسعيه المستمر لإحداث حراك سياسي للحياة السياسية المصرية من خلال دعوته إلى تغيير الدستور أو على الأقل تعديل مواده المثيرة للجدل، سببت إرباكا لكل حسابات النظام الحاكم برئاسة حسني مبارك خاصة المتعلقة بخطط توريث الحكم لنجله الأصغر جمال مبارك رئيس لجنة السياسيات في الحزب الوطني الحاكم.
اضافت المجلة أن تعرض الرئيس مبارك، والذي دخل عامه الـ 83 منذ أيام قليلة، لوعكة صحية وإجرائه عملية جراحية بألمانيا في شهر مارس الماضي ، زاد من مخاطر تخليه عن السلطة لأسباب صحية قبيل انتخابات 2011 قبل أن ينهي "مخطط التوريث"، الأمر الذي اضعف فرص جمال مبارك في خلافة والده لحكم مصر.
ونقلت صحيفة "المصري اليوم" المستقلة عن تقرير المجلة، أن مبارك الابن حاول خلال السنوات القليلة الماضية تهيئة الأوساط السياسية والشعبية في مصر لقبوله "وريثا" لحكم مصر، خاصة في ظل التعديلات والإصلاحات الدستورية التي أجرتها السلطات المصرية عام 2007، والتي حاولت تمهيد الطريق له نحو السلطة.
وأشارت المجلة إلى أن جمال مبارك سعى خلال العامين الماضيين إلي إقناع المؤسسة العسكرية بأن طموحه فيما يتعلق بخطط الإصلاح السياسي لن يحد من مصالحهم الاقتصادية أو نفوذهم السياسي.
واعتبرت أن مثل هذه الأجواء، تضع جمال مبارك في موقف صعب، إذ أن تنامي مكانة البرادعي تزيد من المخاوف من السماح بانتقال السلطة إلي جمال مبارك، مشيرة إلي أنه على الرغم من الاختلاف حول من سيرث الحكم إلا أن البرادعي استطاع أن يكسب شهية الكثير من المصريين المتعطشين للتغيير.
كانت "شبكة العلاقات الدولية والأمن" السويسرية ذكرت في تقرير سابق لها أن البرادعي أصبح يشكل تهديدًا كبيرًا للرئيس مبارك بالرغم من أنه أعلن أنه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة إلا في حالة حدوث تغيير دستوري مناسب يسهل فرصة أي مواطن مصري في الترشح للانتخابات الرئاسية.
وأضاف التقرير السويسري - الذي نشر علي موقع الشبكة علي الإنترنت - أن البرادعي منذ عودته إلي مصر حقق عددًا من النجاحات أهمها حشد المثقفين والأكاديميين والناشطين من حوله في إطار الجمعية الوطنية للتغيير، ودعم الإعلام له بشكل غير مسبوق علي عكس الغيبوبة السياسية التي سقطت فيها مصر منذ انتخابات 2005، مؤكدا أن أهم النجاحات التي حققها البرادعي منذ عودته إلي مصر حفاظه علي استقلاله عن التيارات السياسية المختلفة، وهو ما جعله قادرًا علي طرح نفسه بقوة كبديل للحزب الوطني الحاكم وكذلك جماعة الإخوان المسلمين.