20100529
المحيط
محيط - جهان مصطفى
فيما اعتبر نجاحا جديدا فيما يتعلق بجهود مصر والدول العربية والإسلامية الهادفة لفضح "نووي" إسرائيل ، أنهى مؤتمر نيويورك حول مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي أعماله يوم الجمعة الموافق 28 مايو / أيار أعماله بإصدار وثيقة تاريخية دعت إسرائيل للتوقيع على المعاهدة وفتح منشآتها النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية .
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، حيث دعت الوثيقة أيضا إلى عقد مؤتمر دولي عام 2012 لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية ، ورغم أن تركيز الوثيقة على ضرورة أن تنضم إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي وأن تضع كل منشآتها النووية تحت الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية يعتبر سابقة من نوعها في مثل تلك المؤتمرات الدولية ، إلا أن ما يضاعف من أهمية هذا التطور هو نجاح الموقف العربي والإسلامي الموحد في إحراج إدارة أوباما بشدة خلال صياغة الوثيقة الختامية بل وإجبارها في النهاية على الرضوخ لدعوات تضمين إسرائيل بالإسم في تلك الوثيقة .
ففي البداية ، زعم الوفد الأمريكي المشارك في المؤتمر أن الإشارة إلى إسرائيل تعرض للخطر جهود الولايات المتحدة لإقناع تل أبيب بالمشاركة في مؤتمر عام 2012 ، وسرعان ما أصدر البيت الأبيض بيانا في 28 مايو قبل ساعات من اختتام المؤتمر أعلن خلاله أن الرئيس باراك أوباما رحب بالاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال مؤتمر 2010 لمراجعة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ، لكنه أبدى معارضته الشديدة لذكر إسرائيل تحديدا في الشق المتعلق بالشرق الأوسط في البيان الختامي.
ورغم ما سبق ، أقرت الدول الـ189 الأعضاء في الاتفاقية بالإجماع موقف الدول العربية ودعت إلى عقد مؤتمر آخر في عام 2012 تحضره كل دول الشرق الأوسط بما فيها إيران ، بل وكان الأمر اللافت للانتباه والذي أغضب إسرائيل بشدة أن الوثيقة الختامية لم تدع إيران بالإسم إلى اتخاذ إجراءات مماثلة رغم أن واشنطن تتهمها بانتهاك القرارات الدولية بشأن برنامجها النووي ، ولذا نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسئول حكومي إسرائيلي رفيع المستوى القول :" إن هذا الاتفاق مطبوع بالنفاق ، لم يشر نصه إلا إلى إسرائيل ولم يذكر بلدانا أخرى مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية التي تملك أسلحة نووية أو إيران التي تسعى لامتلاكها وهذا أخطر".
وفي المقابل ، أشادت إيران بنتائج المؤتمر وقال علي أصغر سلطانية ممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن هذه خطوة إلى الأمام باتجاه إقامة عالم خال من الأسلحة النووية ، مؤكدا أن الفرنسيين والأمريكيين اتسموا بالعناد خلال المؤتمر في محاولة للتغطية على "نووي" إسرائيل.
وعلق على التحفظات الأمريكية بشأن إسرائيل ، قائلا :" إن الولايات المتحدة مجبرة على مواكبة مطالبة المجتمع الدولي إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي وفتح منشآتها النووية لعمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
ويبقى التساؤل الذي يشغل الجميع : ما السر وراء تراجع واشنطن عن معارضتها تضمين إسرائيل في الوثيقة الختامية للمؤتمر ؟.
والإجابة يبدو أنها لن تخرج عن عدة تطورات أضعفت موقف إسرائيل وأمريكا بشدة من أبرزها التقرير الذي نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية في 24 مايو / أيار وتضمن وثائق رسمية سرية جنوب إفريقية تفضح المستور ليس فقط حول "نووي" إسرائيل وإنما ما يشكله أيضا من خطر على العالم كله .
ووفقا للوثائق ، فإن إسرائيل عرضت في عام 1975 بيع رؤوس نووية للنظام العنصري السابق في جنوب إفريقيا وهو ما شكل أول دليل وثائقي رسمي على امتلاك إسرائيل أسلحة نووية ، كما أظهرت لقاء سريا تم بين وزيري دفاع البلدين عام 1975 طلبت فيه جنوب إفريقيا رؤوسا نووية وردت إسرائيل على لسان ممثلها شيمون بيريز وزير الدفاع حينذاك والرئيس الإسرائيلي الحالي بعرض أسلحة "بثلاثة أحجام" ، في إشارة إلى الأسلحة النووية والكيمياوية والتقليدية ، كما وقع البلدان خلال اللقاء على اتفاقية تنظم العلاقات العسكرية بينهما وتشتمل على فقرة تدعو إلى الحفاظ على سرية تلك الاتفاقية.
والوثائق التي كشف عنها أكاديمي أمريكي يدعى ساشا بولاكو سورانسكي أثناء تأليفه كتابا حول العلاقات بين جنوب إفريقيا وإسرائيل لم تشكل فقط دليلا على أن إسرائيل تملك أسلحة نووية رغم سياسة الغموض التي تتبنها في هذا الشأن ، بل إنها أظهرت أيضا أن النظام العسكري العنصري في جنوب إفريقيا حينئذ كان يسعى إلى الحصول على صواريخ للردع وشن هجمات على الدول المجاورة.
مكالمة مبارك
وبجانب ما سبق ، فإن مصادر دبلوماسية مطلعة في واشنطن والقاهرة كشفت أن اتصالا هاتفيا أجراه الرئيس المصري حسني مبارك بنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في 28 مايو كان وراء تراجع واشنطن عن تحفظاتها وموافقتها في النهاية على إدراج "نووي" إسرائيل في البيان الختامي لمؤتمر نيويورك .
ورغم أنه لم يعرف مضمون الاتصال ، إلا أن التحركات المصرية كان لها دور هام جدا فيما أسفر عنه مؤتمر نيويورك ، وهذا ما ظهر واضحا في تصريحات المسئولين المصريين بعد اختتام المؤتمر .
فقد رحب ماجد عبد الفتاح رئيس الوفد المصري والذي كان يتحدث باسم دول عدم الانحياز وعددها 118 بنتائج المؤتمر ، قائلا :" إنها خطوة مهمة إلى الأمام نحو تحقيق أهداف الاتفاقية".
وتابع عبد الفتاح أن المؤتمر كان ناجحا ، وأشار إلى أن مؤتمر 2012 سيكون برئاسة وإشراف الأمين العام للأمم المتحدة وسيكون للدول النووية الأخرى مثل بريطانيا وروسيا دور فيه ، مضيفا أن الولايات المتحدة ليست هي القوة الوحيدة المؤثرة.
ووصف المؤتمر المقترح في 2012 بأنه سيكون مبدئيا وبداية لعملية يؤمل أن تؤدى لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
وفي السياق ذاته ، وصف وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووى فى نيويورك بأنها "صفقة متوازنة لتحقيق أهداف المعاهدة وخطوة جيدة على الطريق لعالم خال من الأسلحة النووية".
وصرح أبو الغيط بأن مصر سعت خلال المؤتمر بحكم رئاستها لحركة عدم الانحياز ولتحالف الأجندة الجديدة "تكتل دولى يعمل لإحراز التقدم فى مجال نزع السلاح النووى " إلى أن تعكس الوثيقة الختامية توازنا بين الأركان الثلاثة للمنظومة الدولية لنزع السلاح ومنع الانتشار وهي نزع السلاح النووى ومنع انتشار الأسلحة النووية وتيسير الاستخدام السلمى للطاقة النووية ، هذا بالإضافة إلى إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
وأضاف أنه فى مجال نزع السلاح كانت أولوية مصر ودول حركة عدم الانحياز وتحالف الأجندة الجديدة هى التأكيد على استمرارية جهود خفض الأسلحة النووية والعمل المستمر للوصول لعالم خال من الأسلحة النووية ، قائلا :" فى هذا السياق ، نصت الوثيقة الختامية للمؤتمر على التزام الدول النووية بخطة عمل تفصيلية لنزع السلاح النووى، وسيتم تقديم تقرير بشأنها لدورة المراجعة القادمة، ضمانا لبقاء بند النزع المطرد للسلاح النووى على أجندة جميع الدورات القادمة للمؤتمر".
وتابع " مهمة مصر ودول عدم الانحياز فى مجال منع الانتشار النووى كانت ذات شقين ، الأول: يتعلق برفض تضمين الوثيقة الختامية للمؤتمر أى التزامات إضافية على الدول غير النووية ، والثانى: يتعلق بالتحرك الحثيث نحو تحقيق عالمية المعاهدة ومطالبة الدول غير المنضمة إليها وفى مقدمتها إسرائيل بالانضمام للمعاهدة وإخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية ، وقد عبرت الوثيقة الختامية عن هذه الأولويات وعن نجاح مصر ودول عدم الانحياز في التصدي لمحاولات إلزام الدول غير النووية بتوقيع البروتوكول الإضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، كما تم التأكيد على ضرورة انضمام إسرائيل والهند وباكستان للمعاهدة".
وأعرب أبو الغيط عن ارتياحه لما نصت عليه الوثيقة الختامية للمؤتمر من تأكيد لحق الدول الأصيل وغير القابل للتصرف فى تطوير برامجها النووية السلمية ورفض أية محاولة لتقييد هذا الحق أو ربط توريد المواد والمعدات والتكنولوجيا النووية السلمية بأية مشروطية من أى نوع.
وبصفة عامة ، فإن الوثيقة تعتبر خطوة هامة على طريق إعادة إحياء اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية بعد عقد من الزمن لم يشهد تحقيق تقدم يذكر فيها ، ورغم تأكيد البعض أن أمريكا ستعرقل عقد مؤتمر 2012 ، إلا أن الضغوط العربية والإسلامية من شأنها أن تحرج أوباما بشدة أمام العالم ، بل إن إدارة أوباما باتت منذ الآن في وضع حرج بالفعل ، حيث كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية يوم السبت الموافق 8 مايو / أيار أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أدرجت مناقشة القدرات النووية الإسرائيلية في مسودة جدول أعمال مجلس إدارتها المقرر في يونيو وذلك في سابقة من نوعها في عمر الوكالة البالغ 52 عاما .
وتابعت الصحيفة أن البند الثامن في مسودة جدول أعمال مجلس إدارة الوكالة الذرية في 7 يونيو/ حزيران يأتي تحت عنوان "قدرات إسرائيل النووية" ، ورغم أن البند الثامن يمكن شطبه إذا اعترضت واشنطن أو حلفاء إسرائيل عليه ، إلا أنه بعد الوثيقة التي أصدرها مؤتمر نيويورك وما كشفته صحيفة "الجارديان" ، فإن العرب أمامهم فرصة ذهبية لإحراج واشنطن في هذا الصدد .
والخلاصة أن " نووي" إسرائيل لم يعد محظورا الاقتراب منه ، فحتى وإن عرقلت واشنطن عقد مؤتمر 2012 ، فإن وثيقة مؤتمر نيويورك التي تم تبنيها بالإجماع بعثت برسالة مفادها أن إسرائيل ليست دولة فوق القانون وتلك نقطة إيجابية يمكن البناء عليها والانطلاق منها لإجبار إسرائيل في النهاية على الانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي .