من المقرر أن تصدر هيئة التحكيم الدولية في لاهاي اليوم قراراً في شأن مصير منطقة أبيي الغنية بالنفط المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه، وسط مخاوف من أن يؤدي القرار إلى أعمال عنف.وطالب الرئيس السوداني عمر البشير عشية صدور الحكم مواطني أبيي بأن يجعلوا من إعلان التحكيم يوماً للسلام والتعايش والتصافي، مؤكداً ثقته في مواطني منطقة أبيي وفي أن المنطقة ستظل مسرحاً للتعايش السلمي وبوتقة للانصهار والوحدة، مشدداً على أنه مهما كانت نتيجة التحكيم المرتقب في شأن المنطقة فإن «السودان لن يؤتى من جهة أبيي».
وقال البشير في كلمة إن الحكومة وعلى أعلى مستوياتها وبكافة أطرافها «أقرت مبدأ القبول بنتائج التحكيم أولاً، وأعدت عدتها لإدارة الأمور على نحو يحفظ سلامة المواطنين واستقرارهم وأمنهم في أنفسهم وفي أموالهم، وفي مساكنهم». وقال: «ستظل أبيي جسراً للتواصل بين الشمال والجنوب وأرضاً للتساكن والتصاهر والانسجام».
وأضاف: «إن منطقة أبيي يحفظ لها التاريخ ولمواطنيها من الدينكا والمسيرية وغيرهم من الأقوام أنها لم تكن يوماً دار حرب بل ظلت داراً للتعايش ورمزاً للمصاهرات بين الشمال والجنوب، تمتد فيها العلاقات بين الأسر بمختلف أجناسها وقبائلها لا يفرق بينهم لون أو عرق أو دين». وتابع: «لا نرى اليوم سبباً لدفن كل هذا التاريخ من السلم والتعايش بسبب من ضيق الأفق أو المطامح المحدودة». وأكد البشير ان السلطات اتخذت الترتيبات لمعالجة تطورات الموقف هناك، وقال: «توجيهاتي واضحة لكافة أجهزة حكومة الوحدة الوطنية ذات الصلة في كل مستوياتها الاتحادية والولائية والمحلية أن يكون الأربعاء يوماً للسلام والتعايش والتصالح والتصافي في أبيي».
وشهدت منطقة أبيي أمس هدوءاً حذراً وترقباً، وسط تحركات سياسية من طرفي النزاع لاحتواء أي توترات يمكن أن تقع عقب إعلان قرار التحكيم الدولي. ويلزم قرار التحكيم الدولي شريكي الحكم حزب المؤتمر الوطني و «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقبوله، لكنه غير ملزم لقبيلتي المسيرية العربية والدينكا الأفريقية اللتين تعيشان في المنطقة، كما أن القرار المنتظر يبدو غامضاً في شأن إن كان نهائياً أم هل يقبل الاستئناف، فضلاً عن أنه يعتبر سابقة جديدة في تاريخ السودان السياسي على الأقل منذ حصول البلاد على استقلالها من المستعمر الانكليزي في 1956. كما يخشى أن يثير مخاوف بتشجيع مناطق أخرى في البلاد تعتقد أن من حقها الاختيار في تبعيتها لشمال السودان مثل مناطق جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وحلايب بل حتى إقليم دارفور، حيث يزعم بعض حاملي السلاح أنها لم تكن جزءاً من شمال البلاد إلا بعد عام 1916.
وجاء قرار إخضاع أبيي للتحكيم الدولي في اجتماع مشترك بين المؤتمر الوطني و «الحركة الشعبية» في 8 حزيران (يونيو) 2008، انتهى بما عرف بـ «خريطة طريق أبيي»، حملت ثلاثة بنود أساسية هي: ترتيبات أمنية، وعودة النازحين، والترتيبات الموقتة لإدارة المنطقة وترتيبات الحل النهائي. وجاء في هذا البند الأخير: «يلجأ الطرفان إلى هيئة تحكيم مهنية متخصصة يتفق عليها الطرفان للفصل في خلافهما حول ما توصل إليه تقرير خبراء دوليين ومحليين، أوكلت إليهم حسب اتفاق السلام الموقع عام 2005 تحديد مصير المنطقة، وإذا فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق حول هيئة التحكيم أو مرجعياته أو قواعد تسييره، يلجأ الطرفان إلى التحكيم في لاهاي».
وفي مطلع العام الحالي أودع الطرفان القضية أمام محكمة التحكيم، وانخرطا في سلسلة زيارات ولقاءات مع المسؤولين في المحكمة، إلى أن تم اختيار القضاة، كما تقدم كل طرف في ما بعد بمرافعاته المكتوبة للمحكمة، وهما بانتظار النتيجة التي سيسفر عنها التحكيم عندما تعلن المحكمة قرارها اليوم.
ودعا المبعوث الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن كلاً من قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك إلى التجاوب وتجنب العنف، واستخدام الأساليب السلمية التي أقرها شريكا الحكم في ما يتعلق بنتيجة قرار هيئة التحكيم الدولية. وقال غرايشن بعد لقائه في الخرطوم عدداً من قيادات القبيلتين وممثلين الطرفين: «سأذهب إلى أبيي وكلي ثقة أن المجموعات المسلحة ستكون خارجها»، معبّراً عن أمله في حل أي نزاع ينشأ في المنطقة بالطرق السلمية.
وفي تطور آخر تصاعدت الخلافات الحادة مجدداً بين حزب المؤتمر الوطني و «الحركة الشعبية» بسبب رفض الأخيرة الاعتراف بالتعداد السكاني الذي جرى مؤخراً في البلاد وتم على أساسه تقسيم البلاد جغرافياً إلى دوائر انتخابية. وشكك الأمين العام لـ «الحركة الشعبية» بقان أموم في نتائج التعداد واعتبره مزوراً، وهدد بعدم المشاركة في الانتخابات المقررة في نيسان (أبريل) المقبل إذا ما تمت على أساس هذا التعداد.
لكن حزب المؤتمر الوطني الحاكم أكد تمسكه بصحة التعداد السكاني، وطالب بعقد الانتخابات في موعدها المحدد.