20100828
المحيط
القاهرة : جاءت حادثة سرقة "لوحة الخشخاش" للمرة الثانية بعد مرور أقل من عامين على حادث سرقتها الأول لتفتح ملف إهمال إجراءات التأمين والحراسات على المتاحف والأماكن الحساسة في مصر، وذلك لأن السبب ربما يكون واحد وهو "الكاميرا عطلانة"، حيث باتت عبارة شهيرة يتم ترديدها عند وقوع أي مصيبة.
فما من مصيبة تقع أو سرقة تتم إلا والفاعل مجهول وتقيد القضية ضد "عفريت" لأن نظام المراقبة الذي ينفقون عليه الملايين كان معطلا، وبعد وقوع الكارثة تكتشف بعدها إما أن أجهزة الإطفاء والإنذار معطلة كما حدث في حريق الشورى الضخم الذي التهم مبنى البرلمان بالكامل وقضى على تراث تاريخي لا يمكن تعويضه أو كما حدث بجريمة حي الحسين الإرهابية التي وقعت منذ نحو 3 أعوام وحتى الآن لم يعرف فاعلها، لماذا، لأن الكاميرات "خربانة"!!.
لك أن تتخيل مدي الإهمال والفساد في نظم تأمين المتاحف في مصر، فهناك 16 متحفًا بدون نظام إطفاء حريق و9 متاحف بلا كاميرات مراقبة أو أجهزة إنذار، المدهش أن هناك 7 متاحف بها كاميرات وخربانة، قائمة المتاحف المهملة لا تعد ولا تحصي، بداية من متحف محمد ناجي بالهرم ومحمود سعيد بالإسكندرية حتي متحف دنشواي بالمنوفية ومتحب بيت الأمة ناهيك عن متحف الشمع وغيرها من المتاحف، الأكثر دهشة أن إصلاح تلك الكاميرات لا يحتاج صيانة تتجاوز 150 ألف جنيه، في حين تسبب الإهمال بشأنها في ضياع تحف فنية بملايين الدولارات وأخري لا تقدر بثمن !
لم تمر أشهر قليلة علي حادث سرقة مطبعة البنك المركزي الذي كانت كاميراته معطلة، حتي طفت علي السطح قضية لوحة "الخشخاش" من متحف محمود خليل مختار ذي الكاميرات "البايظة"، وقبلها بعام ونصف العام سرقوا 9 لوحات من متحف محمد علي وكانت كاميرات المراقبة خارج نطاق الخدمة أيضاً، بحسب التحقيق الذي أجراه الصحفي محمد الجارحي ونشر بصحيفة الدستور المصرية المستقلة.
في نفس التوقيت تقريباً من شهر مارس عام 2009 حدثت العملية الإجرامية البشعة بمنطقة الحسين التي راح ضحيتها سائحة فرنسية، وكان مقرراً تركيب كاميرات مراقبة لتلك المنطقة، لكن شيئاً ما لعب في دماغ المسئولين في وزارتي الداخلية والاتصالات فتراجعوا عن المناقصة حتى وقعت الفأس في الرأس !
وفي سبتمبر من عام 2008، تعرضت بعض اللوحات الفنية للسرقة من دار الأوبرا بالقاهرة من خلال أحد الموظفين وكان يعمل مديراً للمسرح التجريبي بالأوبرا بعد أن قام بنزع لوحتين من إطارهما وأخفي الإطارات في دورة المياه الملاصقة وكانت اللوحتان للفنان حامد ندا الذي توفي عام 1990 عن عمر يناهز 66 عاماً، لكن ستر ربنا ونبل الفنان التشكيلي المصري هشام قنديل مدير أتيليه جدة للفنون التشكيلية في السعودية، كانا سبباً في إعادتهما !
من الطرائف أن محسن شعلان ـ رئيس قطاع الفنون التشكيلية والمسجون حالياً علي خلفية سرقة لوحة الخشخاش - هو من قام بتكريم الفنان هشام قنديل عندما أعاد اللوحتين لدار الأوبرا بعد أن كان قد اشتراهما بمبلغ مائة ألف جنيه ولم يكن يعلم حينها بواقعة السرقة، وبالتأكيد كاميرات المراقبة كانت خربانة، والأكثر طرافة أن إحدي اللوحتين تسمي "كيد النساء"!
وفي فبراير عام 2009، شهدت منطقة الحسين حادثاً إرهابياً مروعاً، راح ضحيته سائحة فرنسية وأصيب 20 آخرون، والمفاجأة التي كشفتها "الدستور" حينها أنه كان مقرراً تركيب 32 كاميرا في منطقة الحسين بعد طرح مناقصة تنافست عليها 27 شركة، وأكد مصدر مسئول بقطاع الاتصالات لـ " الدستور " أن جهاز تنظيم الاتصالات عقد اجتماعاً مع الشركات المتقدمة للمناقصة، وأوضح المصدر أن رئيس الجهاز أصدر قراراً بإخلاء أحد الترددات، وتم تخصيصه فقط لنظام كاميرات المراقبة بمناطق الحسين والأزهر والغورية وتم تأمين ذلك التردد حتي لا يتم اختراقه، أو يتداخل مع تردد الداخلية العادي المستخدم في اللاسلكي.
وأشار المصدر إلي أن أصحاب المحال والمقاهي السياحية الموجودة في منطقة الحسين اعترضوا علي تركيب كاميرات المراقبة علي مقار محالهم، وأوضح أن الداخلية استجابت لطلبهم بعد معاينة الشركات أماكن تركيب الكاميرات في يناير 2008.
لكن المهندس وائل حسام - مدير شركة INOTEK إحدي الشركات المتنافسة علي المناقصة ـ قال إنها ألغيت في النهاية، ولم يتم إعلان التقرير الفني لها بعد سنة من تقديم العروض، وأضاف : أخبرونا بأنه سيتم إعادة المناقصة في وقت لاحق.
وكشف حسام عن مفاجأة من العيار الثقيل وقال : المنطقة التي وقع بها حادث الحسين كان من المقرر تركيب 4 كاميرات بها حسب الخريطة الخاصة بالمناقصة، وكانت تلك الكاميرات كفيلة لكشف كل أبعاد الحادث، ومنها كاميرات كان المفترض تركيبها علي مبني مرتفع عند مدخل مسجد الحسين، إضافة إلي كاميرات بساحة الميدان نفسه .
وفي مارس من عام 2009، تعرض قصر محمد علي في شبرا لحادث سرقة كبير، كاد أن يتسبب في فقدان تسع لوحات أثرية ترجع لعصر أسرة محمد علي التي استمرت قرابة القرن ونصف القرن تقريباً، لكن الصدفة البحتة والعناية الإلهية أعادت اللوحات، حيث قالت وزارة الثقافة بعد عشرة أيام من الحادث إن الجهات الأمنية تلقت اتصالاً من مجهول للإبلاغ عن مكان اللوحات دونما أن تحدد الوزارة المكان الذي تم فيه العثور علي اللوحات أو من قام بسرقتها، لكن بلا شك لا علاقة لكشف الحادث بكاميرات المراقبة وإلا كانت الداخلية قد أقامت "مولد" بسببها !
في مايو 2010، تعرضت مطبعة البنك المركزي إلي سرقة مبلغ مليونين و800 ألف جنيه، وكشفت تحقيقات النيابة حينها أن كاميرات المطبعة معطلة ولا تعمل، ونفس السيناريو الذي حدث في متحف محمود مختار مع لوحة فان جوخ، تكرر من قبل مع مطبعة البنك، حيث قرر المسئول عن كاميرات المراقبة في تحقيقات النيابة أنه تقدم بعدة طلبات إلي مدير المطبعة منذ فترة لاستبدال الكاميرات التالفة بأخري جديدة أو إصلاحها، فقبل حادث مطبعة البنك المركزي كانت لا تعمل سوي كاميرا واحدة فقط من أصل خمس كاميرات موجودة بالمكان، وكالعادة لم يفكر أحد في إصلاح الكاميرات "الخربانة" !
في 2007، قالت مصادر أمنية إن وزارة الداخلية ستسعي لشراء كاميرات مراقبة لتركيبها داخل محطات المترو والقطارات بعد أن تلقت وزارة الداخلية حينها تهديداً عبر تنظيم القاعدة بأنه سيقوم بعمليات إرهابية داخل مصر وتحديداً في محطات مترو الأنفاق، أعقبها حملات تفتيش مستفزة للركاب لفترة طويلة عند مداخل ومخارج المحطات، لكن المدهش أن هذا تم منذ 2007، ولأن مصر تعشق النوم في العسل، فلم يفكر أحد في تركيب الكاميرات إلا منذ أشهر قليلة، أي بعد 3 سنوات، حيث أكد محمد الشيمي ــ رئيس الشركة المصرية لتشغيل مترو الأنفاق ــ أنه سيتم مراقبة المحطات بالصوت والصورة لكن المشروع سوف يستغرق تنفيذه عاماً من الآن !
وتعتبر الولايات المتحدة من أكثر الدول التي تعتمد علي كاميرات المراقبة الأمنية، وأشارت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إلي أنه تم زرع 55 ألف كاميرا للمراقبة الأمنية خلال عام واحد فقط، أما في إنجلترا ومنذ تفجيرات مترو أنفاق لندن الشهيرة في يوليو 2005 أصبحت كاميرات المراقبة الأمنية "الذكية" جزءاً من الحياة اليومية سواء في الأماكن العامة أو في محطات المترو والأماكن الحساسة !
ويبقي السؤال اللغز: لماذا تتجاهل الحكومة المصرية الاهتمام بكاميرات المراقبة في الوقت الذي كانت فيه تلك الكاميرات سبباً رئيسيا في اتهام واحد من رموز الحزب الوطني وهو رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، حيث قدمت السلطات في دبي صوراً لكاميرات المراقبة تشير إلي وجود محسن السكري في مكان الجريمة !