أكد رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت استعداد الجنوب لقيام علاقات جوار أخوي مع الشمال في حال الانفصال مشدداً على أنه لن يجبر أحداً للتصويت للوحدة أو الانفصال في الاستفتاء على حق تقرير المصير.
واشترط كير إلغاء القوانين المقيدة للحريات وتجاوز خلاف التعداد السكاني لخوض الانتخابات المقبلة.
وتعهد بعدم إرغام أو إجبار مواطني جنوب السودان على التصويت لصالح الوحدة، وأكد أنّ الخيار مكفول لهم وفقا للاتفاقية إما بالتصويت للانفصال أو التصويت لصالح الوحدة، داعيا إلى ضرورة إرساء الأسس القويمة حتى تكون الوحدة جاذبة لمواطني الجنوب.
كما أكد كير على إبقاء علاقات متميزة مع الشمال في حال استقلال جنوب السودان في عام 2011 حيث تجرى عملية استفتاء لسكان الجنوب لتقرير مصيرهم.
ومن المقرر أن يقترع جنوب السودان المنتج للنفط في يناير عام 2011 على الانفصال، في استفتاء تحدد موعده في اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 20 عاماً، مع الشمال. ويُعَدّ هذا الاقتراع قضية شديدة الحساسية في السودان
وأقام اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى الحرب بين الشمال والجنوب حكومة ائتلافية في الخرطوم وحكومة متمتعة بحكم ذاتي محدود في الجنوب. والى جانب الاستفتاء وعد أيضا بإجراء انتخابات وطنية مقررة في فبراير عام 2010 وتقسيم عائدات النفط بين الجانبين.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يختار الجنوبيون الاستقلال في الاستفتاء لكن المحللين حذروا من خطورة العودة إلى الصراع إذا عرقل الشمال الاقتراع أو رفض تسليم السيطرة على حقول النفط الجنوبية المربحة
وكان كير فجر الشهر الماضي مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف عن حصوله على وعد من الزعيم الليبي معمر القذافي بتأييد إقليمه الجنوبي إذا صوت من أجل الاستقلال عن شمال السوادن.
وقال كير للمصلين في إحدى الكنائس إن القذافي أكد له خلال زيارته إلى طرابلس، مساندة ليبيا، إذا قرر الجنوب أن ينفصل عن الشمال. ونقلت وكالات الأنباء عن كير قوله: إن القذافي أكد له أنه إذا أراد الجنوبيون أن يقترعوا على الاستقلال، ينبغي ألا يخشوا أحداً، وسأقف إلى جانبهم".
وأضاف كير عن القذافي: "كان ينبغي أن ينفصل ليصبح دولة مستقلة أو ينضم إلى أي دولة أخرى في شرق أفريقيا". وتابع قائلاً إن القذافي وعد بإرسال خبراء ليبيين إلى جنوب السودان للمساعدة في إعادة إعمار البنية التحتية وفي الزراعة.
وكان القذافي الذي رفض الصراع في دارفور في عام 2007 بوصفه قتالاً على جمل، أول زعيم يعلن تأييده للرئيس السوداني عمر البشير، بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض عليه في العام الحالي ليواجه اتهامات بتنسيق ارتكاب فظائع في دارفور.
وواجهت حكومات سودانية متتالية متاعب جمة في علاقاتها مع ليبيا وزاد من تعقيدها خطط القذافي لتوسيع نفوذه في العالم العربي وإفريقيا.
واتهمت ليبيا بتسليح الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب في أوائل الثمانينات لمحاولة تقويض حكم الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري وقتها وبحشد الأسلحة والنفوذ في إقليم دارفور السوداني في إطار مشروعه لتعزيز التضامن العربي عبر الصحراء الإفريقية.
وفي الإطار نفسه شن القيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان والمتحدث الرسمي باسمها ين ماثيو هجوما على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، واتهمه بعدم الحرص على الوحدة الجاذبة بين شمال وجنوب السودان بإصراره على إقرار القوانين المقيدة للحريات.
وقال في حديث لصحيفة "الوطن" السعودية إن المؤتمر "يمارس هروبا من الديموقراطية ويلجأ لتزوير نتيجة التعداد السكاني". وألمح إلى أن "كل الاحتمالات واردة بما فيها إعلان استقلال جنوب السودان من داخل برلمان حكومة الجنوب".
أسرار إقالة قوش
في غضون ذلك، أقال الرئيس السوداني عمر البشير رئيس جهاز الأمن الوطني والمخابرات صلاح عبد الله قوش من منصبه وتعيينه مستشاراً بالقصر الجمهوري وتعيين نائبه محمد عطا رئيساً للجهاز، في خطوة مفاجئة أثارت تفسيرات متضاربة حول قرار إبعاد رجل الأمن الأول والأقوى في الخرطوم.
وسرت في الخرطوم معلومات عن أن قوش ربما يستعد لتولي رئاسة السودان في أعقاب اتهام الرئيس البشير من قبل محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم حرب بدارفور، في وقت ترشح فيه تقارير عن خلافات بين الإسلاميين الحاكمين في السودان أدت إلى الإطاحة بقوش.
وفسر بعض المراقبين الخطوة بالتخلص من قوش الذي عرف بمثابرته في بناء قوة أمنية ضاربة والعمل على تقوية علاقاته مع الولايات المتحدة التي زارها أكثر من مرة وأبدى تعاوناً في مجال مكافحة الإرهاب ومحاصرة جماعات القاعدة والجماعات المتطرفة.
ولكن مصادر مطلعة ربطت إبعاد رجل الأمن الأول بإعادة هيكلة جهاز الأمن وفق اتفاق سلام وقع مع الحركة الشعبية نص على تحويل الجهاز إلى أداة لجمع المعلومات وتحليلها وسلب صلاحيات القبض من الجهاز وتحويلها إلى النيابات وجهات الاختصاص.
من ناحية اخرى، أكد الرئيس السوداني أنه باق في منصبه خلال السنوات المقبلة، واعتبر قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه "سياسياً"، بل اعتبر المحكمة نفسها "اداة للاستعمار الجديد:.
وقال البشير في مقابلة نادرة مع مجلة "تايم" الأمريكية، إن حكومته مستهدفة منذ وقت طويل، لكنها اتقنت التعامل مع المؤامرات التي تستهدفها، وأشار إلى علاقات جيدة مع الجوار ودبلوماسية فاعلة سمحت لبلاده بتجاوز كل العراقيل الخارجية والعقوبات، وأشار إلى نمو اقتصادي بنسبة 8% سجلته بلاده خلال السنوات الماضية.
وسخر البشير من المعايير المزدوجة التي يستخدمها الغرب، فهو يعتبر الجماعات المسلحة الخارجة على الدول "عصابات متمردين وارهابيين"، لكنها في السودان "مقاتلة من أجل الحرية".
ونقلت صحيفة "الخليج" الإماراتية عن البشير قوله لـ "تايم": "إذا كان المبرر لمحاكمتي انني القائد الأعلى للجيش، فلماذا لا يحاكم الرئيس الامريكي على قصف المدنيين في افغانستان أليس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الامريكية؟"، وأشار إلى أن الأخطاء تحدث في كل الحروب، لكن حكومة السودان لا تطبق سياسة رسمية باستهداف المدنيين، بل قال إن النازحين في دارفور يأوون إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، وتساءل كيف يلجأ الضحية الى الجلاد؟.
ووصف البشير المحكمة الجنائية الدولية بأنها "سياسية وليست قانونية"، مستدلاً على صحة ذلك باستثناء للأمريكيين من المثول أمامها بحجة أن واشنطن لم توقع على اتفاقية انشاء المحكمة، في حين تتم ملاحقة السودان رغم أنه لم يوقع على الاتفاقية أيضاً.
وتابع: "نعتقد ان المحكمة الجنائية هي أداة تستخدم لاخافة الدول التي يرى الغرب أنها غير مطيعة، وقد بات الموقف الإفريقي العام اليوم ضد التعامل معها لأنه استنتج أنها موجهة ضد العالم الثالث وهي أداة للاستعمار الجديد".
وشدد على أن مذكرة التوقيف لم تعرقل حتى الساعة قدراته على ممارسة الحكم أو السفر إلى الخارج، وقال ان بقاءه في السلطة رهن بأصوات الشعب السوداني في الانتخابات المقبلة.
وقال البشير انه سعى في الماضي لإقناع الحزب الحاكم بانتخاب رئيس جديد، مضيفاً ان منصب الرئاسة فيه الكثير من المسؤوليات والمهام المرهقة، في حين أن منصب “الرئيس السابق” يضمن لصاحبه الاحترام الكبير والتقدير بلا عناء.
2009/8/16