20101129
المحیط
بالأمس فقط أدركت سر انتشار مراكز الجيم التي تحقن الشباب بمادة "الأماينو" لتنفخ عضلاتهم على هذا النحو المرعب الذي شاهدناه خلال تغطية الجولة الأولى من انتخابات البرلمان المصري 2010.
حيث امتلأت الشوارع والمقاهي بهؤلاء الشباب "مشرأبي الفلنكات" و"حنكولي العضلات" على رأي الزعيم عادل إمام بمسرحية شاهد ما شافش حاجة، وهو فعلا ما شافش حاجة من عينة خذاعة وحنظلة وقراعة الذين ظهروا في فيلم الكوميديان محمد هنيدي "وش إجرام".
وحينما دفعنا الفضول لممارسة هواية التطفل المقيتة التي تصادفها في كل من يعمل ببلاط صاحبة الجلالة عرفنا أن هذه الكائنات، عفوا المخلوقات، يتم تفريخها وتسمينها بنوادي رفع الأثقال من العام للعام لمثل هذه المناسبات وأن فائدتهم تكون عظيمة جدا في حشد المواطنين سواء بالترهيب أو الترغيب.
ومنذ ساعات الصباح الأولى وعلى قهوة "العجواني" العتيقة بحي شبرا العتيق أيضا جلسنا لنأخذ قسطا من الراحة ونعرف أحوال الدنيا ماشية ازاي فرأينا كتيبة أو قل سربا من هذه الأجساد المكتظة باللحم المحشوة بالعروق وقد جلسوا يلتهمون جبلا من الساندويتشات يكفي لإطعام قبيلة.
وكادت تندلع مشاجرة غير متكافئة بالمرة بين القهوجي ذو الجسد النحيل وهذه الأفيال البشرية لاعتراضه على جلوسهم بدون مشاريب، فيما انخرطوا هم في التشاور هل يجازفون ويطلبوا مشروبات مع وضع احتمال انهم يضطروا للمحاسبة عليهم أم ينتظروا "الكفيل" الذي أتى بهم لشد أزره في المعركة الانتخابية.
ولا أخفي عليكم كانت ستأخذ الشجاعة المالية مداها معي وسأتجرأ وأطلب لهم مشروبات على نفقتي الخاصة لولا أنني سرعان ما أدركت أن محفظتي التي تحتوي على بضع جنيهات لن تكفي هذه الأوزان الثقيلة التي ربما تحتسي الشاي في برميل.
وعبثا حاولت فتح أي حوار معهم عسى أنجح في استدراجهم لمعرفة من أتى بهم إلى أرض المعركة لكن التعليمات كانت صادرة لهم بعدم التحدث مع أحد من عامة الشعب أمثالي.
وبعد أن انتهينا من استراحتنا القصيرة عادونا التجول بين الدوائر الانتخابية فشاهدنا ما لم تشاهد عين وسمعنا ما لم تسمع أذن، نعم شاهدنا رجال الأمن وقد تفرغوا لمطاردة الصحفيين كمطاردتهم للحرامية أو أشد قسوة في حين تركت الساحة تماما للبلطجية والفتوات ليتولوا مأمورية التفاوض مع الناخبين لمنح أصواتهم لمرشحيهم.
وفي لحظة شجاعة يعقبها ندم وبمجرد استخراج الكاميرا من حقيبتها التف حولنا ضباط وأمناء شرطة وعساكر ليفتحوا لنا محضر استجواب بداية من "إيه اللي جابك هنا" إلى حد تصورنا أنهم سيوجهون لنا تهمة التجسس أو التخابر لصالح دولة عدو.
ورغم حملنا كافة اثباتات الهوية التي تثبت سلامة موقفنا في التغطية الإعلامية، رفض ممثلو الداخلية السماح لنا بالتصوير أو التحدث مع الجمهور، لكن طبعا الماكر في اللي أمكر منه ومن كل أسف اضطررنا لممارسة واجبنا في تغطية أحداث الانتخابات من وراء حجاب.
وكان من بين أوجه الدعاية الطريفة استعانة أحد المرشحين المستقلين بشبرا بسيارة نصف نقل تحمل دي جي يشغل بأعلى صوت تتر مسلسل العار الذي يقول: "قولوا للي أكل الحرام يخاف بكرة اللي كله راح يفسده، يابا الغني بالحرام لو شاف ابن الحلال يحسده، ناس بتعبى فى شكاير مقاسى ومعاصى وخساير، مين باع ضميره دا ماله مهما يستف ف ماله، ولا يعلى فى عماير مصيره مستقصده".
وبالطبع كان يرمي من خلالها على رجال الأعمال المرشحين بالدائرة والذين أنفقوا ملايين الجنيهات لشراء الذمم، عفوا الأصوات.
مرشح آخر استعان بفنانة كوميدية، درجة رابعة، اسمها أم عمرو تقوم بأدوار ثانوية كبلطجية نص كوم كما في فيلم يانا ياخالتي وقصة الحي الشعبي لتعلن تأييدها عبر ميكروفون صوتي حملته في يديها لإغراء الناخبين على التصويت لرب نعمتها.
عموما ورغم كل الأحداث يجب أن نحمد الله أن المعركة الأولى مرت بسلام ولم تحدث خسائر كبيرة كانت متوقعة وذلك والحق يقال بفضل الله أولا ثم قيام رجال الأمن بالتواجد المكثف، رغم تعسف البعض منهم، مما حفظ البلاد من شر مستطير وعقبال الجولة الثانية.