القاهرة: عادت قضية غرق دلتا النيل لتطفو مجددا على سطح الأحداث في مصر بعد التحذيرات الجديدة التي أطلقها تقرير أمريكي وحذر من خلاله من ان ارتفاع منسوب مياه البحر قد يؤدي الى نتائج كارثية على منطقة دلتا النيل يتمثل بعضها في خسارة 15 % من إجمالي الأراضي بالدلتا وتهجير أكثر من 3 ملايين مواطن مصري من أراضيهم .
وكان عدد من علماء الجيولوجيا المصريين حذروا في وقت سابق من أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحتباس الحراري سيؤدي إلى زيادة في درجات الحرارة بمعدل 5 أو 6 درجات وزيادة منسوب مياه البحر بـ 1.5 متر وبحلول عام 2020 ستمتد هذه النتائج إلي 15% من أراضي دلتا النيل .
وقال تقرير صدر عن اللجنة الحكومية الأمريكية للتغير المناخى التى يرأسها نائب الرئيس الأمريكى الأسبق آل جور، إن ضع دلتا مصر بين أكثر ثلاث مناطق فى العالم معرضة للغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار نتيجة ذوبان الجليد من القطبين نظرا لارتفاع حرارة كوكب الأرض.
ونقلت صحيفة "جارديان" البريطانية عن التقرير قوله: إن أكثر السيناريوهات تفاؤلا تحذر من أن غرق مساحات واسعة من الدلتا التى تعد واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية سيؤدى إلى هجرة ملايين المصريين منها.
وذكرت الصحيفة أن الدلتا التى تمتد على مساحة 10 آلاف ميل مربع شمال القاهرة، تزود مصر بأكثر من 60 % من إمداداتها الغذائية، ويسكنها ثلثا سكان البلاد البالغ عددهم 80 مليون نسمة.
ويتوقع الخبراء أن تفقد مصر20 % من مساحة الدلتا خلال المائة عام المقبلة، فى حال ارتفع مستوى مياه البحر المتوسط لمتر واحد فقط.
ونقلت صحيفة "الشروق"المصرية عن تقرير الجارديان قوله: إن السيناريو الأكثر تشاؤما فهو زيادة مستوى البحر لحده الأقصى المتوقع وهو 14 مترا، مما يعنى غرق الدلتا بالكامل ووصول البحر المتوسط للضواحى الشمالية للقاهرة.
من ناحيته قال ريك تيوتولير مدير مركز تنمية الصحراء التابع للجامعة الأمريكية فى القاهرة إن مصر "تواجه احتمالات كارثة كاملة، ولن تكون هناك فرصة لمزيد من الجدل. فالمياه ستكون قد أغرقت الأرض والإنتاج الزراعى توقف".
ومن جانبه يقول صلاح سليمان الأستاذ بجامعة الإسكندرية لصحيفة جارديان إن المصريين يعيشون تحت خط الفقر المائى حيث يحصل المصرى على 700 متر مكعب من المياه سنويا وهى أقل من الحد الأدنى الذى وضعته الأمم المتحدة وهو ألف متر مكعب، ومع زيادة السكان المتوقع سينخفض نصيب الفرد إلى 450 مترا مكعبا سنويا، هذا دون حساب كارثة ارتفاع مستوى البحر الذى يهدد الدلتا بالغرق.
من ناحية أخرى، أوضح علماء الجيولوجيا أن قناة السويس لن يلحقها أدني تأثير بسبب الظاهرة نظراً لأن القناة حفرت بطريقة تجعل الأتربة على جانبيها مما يعني استيعاب أية زيادة في منسوب المياه، ويتفق المهندسون مع علماء الجيولوجيا في هذا الرأي موضحين أن عمليات ردم القناة أدت إلى ارتفاع الأراضي وحماية قناة السويس من الغرق مستقبلاً.
حلول للتصدي لهذه الظاهرة
ويرى فريق من العلماء إن قضية غرق الدلتا مثارة منذ التسعينات ولكن الأبحاث والدراسات زادت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة مؤكدين أن جميع التأثيرات المتوقعة لظاهرة ارتفاع منسوب المياه بالبحر سوف تمتد إلى جميع الشواطئ المصرية.
واقترح احد علماء البيئة حلا لهذه الظاهرة يتمثل في إنشاء قنطرة عند مدخل جبل طارق يتم بواسطتها التحكم في كمية المياه الداخلة إلى البحر المتوسط، دون غرق المناطق الساحلية، كما أضاف أن ارتفاع منسوب المياه بالبحر المتوسط الراجع إلى ذوبان جليد القطبين سيجعل 3.8 مليون مواطن يهاجرون من موطنهم بالإضافة إلى غرق 180 كم من أراضي الدلتا الزراعية .
بينما قال عالم آخر أنه للتصدي لهذه الظاهرة يمكن تنفيذ أحد حلين أحدهما جماعي والآخر فردي يتعلق بمصر فقط .
وعن الحل الجماعي فإنه يتمثل في اشتراك الدول المطلة على البحر المتوسط وقيامها بإنشاء بوابة صناعية على مضيق جبل طارق تتحكم في منسوب المياه الداخلة إلى البحر المتوسط .
والحل المتعلق بمصر بمفردها يتمثل في إنشاء شاطئ جديد على الدلتا باستخدام رمال قاع البحر المغمورة والتربة.
"الدلتا لن تغرق قبل 30 عاما"
في هذه الأثناء، أوضح الدكتور سامر المفتى خبير البيئة العالمى والأمين العام السابق لمركز بحوث الصحراء أن بداية الحديث عن تأثير التغيرات المناخية بدأ منذ التسعينيات من القرن الماضى، حيث أشارت دراسات إلى أن ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين مئويتين سيعرض منطقتين فى العالم للغرق هما دلتا النيل وبنجلاديش بسبب تمدد مياه المحيطات وذوبان الجليد.
واستنكر المفتى فى معرض تعليقه على تقرير "الجارديان"، قيام بعض المسئولين بإنكار واستبعاد الحديث عن غرق الدلتا قائلا: "المشكلة أن الدلتا عندما تغرق لن يكون فى زماننا، فالتنبؤات تقول إن هذا لن يحدث قبل 30 إلى 40 عاما لذلك لابد من التحسب من أجل أحفادنا، وليس معنى أنى فى السلطة اليوم أنكر القضية لأنها لن تقع فى عهدى.
ونقلت "الشروق" عن المفتي قوله: إن التوقعات تشير إلى أنه بحلول عام 2100 يمكن أن يصل ارتفاع منسوب مياه البحر إلى 90 سنتيمترا، وبالنظر إلى بعض المناطق فى الشواطئ المصرية فإن هذا المعدل من شأنه أن يغرقها وفى مقدمتها دلتا النيل التى يشرح أنها فى البداية كانت عبارة عن خليج من البحر المتوسط ومع تسرب الطمى إليها بمعدل 100 ـ 300 طن سنويا ردمت هذا الخليج وأوجدت الدلتا لتصبح نموذجا مثاليا للسهول الفيضية على مستوى العالم، حيث يقوم الطمى بدور البناء مقابل عمليات النحر التى تسببها التيارات البحرية، ليكون البناء بنسبة 60 فى المائة مقابل 30 فى المائة نحرا.
وأشار إلى أنه حاليا بدأ تأثير النحر يظهر فمنذ بناء القناطر الخيرية فى عصر محمد على بدأ يقل ترسب الطمى للبحر مما أدى إلى تآكل لسان رشيد بمعدل 5 كم من الداخل، كما أنه مع إقامة السد العالى توقف تدفق الطمى وبالتالى بدأت بعض التغيرات تظهر فى أرض الدلتا، مضيفا أن بعض الدراسات تشير إلى انخفاض قدره 2,5 مل من ناحية شرق الدلتا، وهو مؤشر يمكن التوقع من خلاله أنه فى غضون مائة عام سيكون هناك هبوط أكبر.
وأوضح أن سور أبو قير الذى بناه محمد على أيضا حمى الدلتا من الغرق مؤكدا أنه فى حال كسر هذا السور ستغرق مياه البحر مساحات كبيرة من الدلتا خصوصا أن هناك مناطق تقل عن مستوى البحر بما يتراوح بين 3 و4 أمتار.
وطالب سامر المفتى أن تبدأ الدولة فى مواجهة هذا الخطر ككيان واحد وليس كمجموعة من الكيانات المتناثرة التى لا علاقة فيما بينها مع وجود معهد لبحوث التغيرات المناخية فى وزارة الموارد المائية والرى، وآخر فى وزارة الزراعة، ووحدة فى وزارة البيئة، علاوة على قرار مجلس الوزراء بوضع لجنة للتغيرات المناخية، مشيرا إلى أن هذه اللجنة غير معروفة مواعيد اجتماعاتها أو النتائج التى تخرج عنها فضلا عن أن بعض أعضائها لا علاقة لهم بالتغيرات المنتخية من الأصل.
وأخيرا استنكر دكتور سامر المفتى الدعوات التى تتحدث عن خطط تهجير إلى سيناء وتوشكى فى حال غرق دلتا، موضحا أنه مادامت هناك إمكانية لإنقاذ الدلتا فلابد أن ينصب الجهد كله على ذلك.
ما هي دلتا النيل؟
هي دلتا تكونت في شمال مصر (الوجه البحري) حيث خرج النيل عن مساره على هيئة فرعين إلى البحر المتوسط. فرع دمياط في الشرق وينتهي بمدينة دمياط وفرع رشيد في الغرب وينتهي عند مدينة رشيد. وهي واحدة من أكبر الدلتا في العالم - تمتد من بورسعيد في الشرق حتى الإسكندرية في الغرب. وهي تمتد على مساحة 240 كيلومتر على ساحل البحر المتوسط - وتتميز الدلتا بالأراضي الزراعية الخصبة الصالحة للزراعة في أي وقت. يبلغ طول الدلتا من الشمال للجنوب حوالي 160 كم. وتبدأ الدلتا من الأسفل بالقرب من مدينة القاهرة.
وتتخذ دلتا النيل شكل المثلث عن النظر إليها من الأعلى. الحدود الشمالية للدلتا تآكلت بسبب البحر المتوسط وتكونت عندها بحيرات ساحلية أهمها بحيرة المنزلة في الدقهلية وبحيرة البرلس في كفر الشيخ. وقد أصبحت الأرض الزراعية أقل خصوبة بعد إنشاء السد العالي وبدأ المزارعون في استخدام الأسمدة الكيماوية لسد النقص في تغذية التربة. تصل التربة السطحية في الدلتا إلى 70 قدم عمقا.وتتدرج خصوبة التربه من الجنوب إلى الشمال فنجدالشمال تقل فيه خصوبة التربه بسبب الملوحه الزائده.
يسود في دلتا النيل مناخ البحر المتوسط, مع سقوط الأمطار في الشتاء ولكن ليس بكميات كبيرة. يعد شهري يوليو وأغسطس من أكثر الشهور حرارة في الدلتا حيث يكون المتوسط حوالي 30 درجة مئوية وأقصى درجة حرارة 48 درجة مئوية. في فصل الشتاء تكون درجة الحرارة عادة بين 5 درجات و15 درجة مئوية. ومعدل تآكل تربة دلتا النيل هو 50 كم كل عام وحسب التقدريات فإن دلتا النيل ستختفي تماما بحلول عام 2550.